قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ مُرِيدًا سَيْرًا وَسَطًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ قَدْرُهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا حَقِيقَةَ السَّيْرِ فِيهَا حَتَّى لَوْ قَطَعَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ قَصَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ قَصَرَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ) قَوْلُهُ وَسَطًا صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ السَّيْرُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِأَنْ وَالْفِعْلِ، تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا وَسَطًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمُرَادُهُ التَّقْدِيرُ لَا أَنْ يَسِيرَ فِيهَا سَيْرًا وَسَطًا وَلَا أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ السَّيْرَ وَإِنَّمَا يُرِيدُ قَدْرَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُرِيدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَيْرًا وَسَطًا فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَيْ مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ وَسَطٍ أَوْ نَقُولُ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سَيْرًا وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ وَسَطٍ، وَهُوَ سَيْرُ الْإِبِلِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ كَلَامُهُ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ أَحَدَهَا - بَيَانُ مَوْضِعٍ يُبْتَدَأُ فِيهِ بِالْقَصَرِ وَالثَّانِيَ - بَيَانُ اشْتِرَاطِ قَصْرِ السَّفَرِ، وَالثَّالِثَ - بَيَانُ قَدْرِ مَسَافَتِهِ وَالرَّابِعَ - تَحَتُّمُ الْقَصْرِ فِيهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَصَرَ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ» وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ الْمُجَاوَزَةُ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى لَوْ جَاوَزَ عُمْرَانَ الْمِصْرِ قَصَرَ، وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ أَبْنِيَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِرُبَضِ الْمِصْرِ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَتُهَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ اشْتِرَاطِ قَصْدِ السَّفَرِ فَلَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ قَصْدِ مَسَافَةٍ مُقَدَّرَةٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى يَتَرَخَّصَ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ وَإِلَّا لَا يَتَرَخَّصُ أَبَدًا، وَلَوْ طَافَ الدُّنْيَا جَمِيعَهَا بِأَنْ كَانَ طَالِبَ آبِقٍ أَوْ غَرِيمٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيَكْفِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ يَعْنِي إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُسَافِرُ قَصَرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ - وَهُوَ بَيَانُ مَسَافَةِ السَّفَرِ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ مَسَافَةٍ تَتَغَيَّرُ فِيهَا الْأَحْكَامُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَيْرٍ مُتَوَسِّطٍ، وَهُوَ سَيْرُ الْإِبِلِ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا»، وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ شُرِعَ لَهُ مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذْ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ، وَالْمُسَافِرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا فِي جَانِبِ الْمُقِيمِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا إذَا قَدَّرَ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ مُدَّتِهِ لِانْتِهَاءِ سَفَرِهِ فَاقْتَضَى تَقْدِيرُهُ بِهِ ضَرُورَةً وَإِلَّا لَخَرَجَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَى آخِرِهِ) فِي الْيَنَابِيعِ الْمُرَادُ بِالْأَيَّامِ فِي الْكِتَابِ النُّهُرُ دُونَ اللَّيَالِيِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ إلَى آخِرِهِ) تَفْصِيلٌ لِلسَّيْرِ الْمُتَّصَفِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالتَّقْدِيرُ سَيْرًا مُتَّصَفًا بِكَوْنِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَاصِلًا أَوْ وَاقِعًا فِي بَحْرٍ أَوْ فِي بَرٍّ أَوْ فِي جَبَلٍ اهـ ع.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَصَرَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْفَرْضِ لِيَخْرُجَ عَنْ السُّنَنِ فَإِنَّهَا لَا تُقْصَرُ وَقَيَّدَ بِالرُّبَاعِيِّ لِيَخْرُجَ الْفَجْرُ وَالْمَغْرِبُ. اهـ. دِرَايَةٌ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: ١٠١] الْآيَةَ وَقَدْ انْتَسَخَ التَّعْلِيقُ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ عَامًّا وَبِعُمُومِهِ أَخَذَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ فَلَمْ يُقَدِّرُوهُ بِمُدَّةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الضَّرْبِ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ وَلَيْسَ فِي التَّرْكِيبِ مَا ذَكَرَهُ بَلْ قَوْلُهُ سَيْرًا هُوَ مَفْعُولُ قَوْلِهِ مُرِيدًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا السَّيْرَ مُتَّصِفٌ بِشَيْئَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ وَسَطًا وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ مُرِيدًا سَيْرًا وَلَكِنَّهُ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ السَّيْرِ مُطْلَقًا لَا يُرَخَّصُ لَهُ بَلْ حِينَ أَرَادَ السَّيْرَ الْوَسَطَ الْمُقَدَّرَ بِثَلَاثَةٍ فَحِينَئِذٍ انْتِصَابُ سَيْرًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَانْتِصَابُ وَسَطًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ سَيْرًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَفْعُولًا لِقَوْلِهِ مُرِيدًا فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ مُرِيدًا بِسَيْرٍ وَسَطٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اهـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُسَافِرُ إذَا بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ فِيهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَشَى حَتَّى بَلَغَ الْمَقْصِدَ وَقْتَ الزَّوَالِ هَلْ يَصِيرُ مُسَافِرًا بِهَذَا أَوْ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا. اهـ. .
(قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ قَصْدِ مَسَافَةٍ إلَى آخِرِهِ)، وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَصْدِ مَعَ السَّيْرِ لَا السَّيْرِ الْمُجَرَّدِ وَالْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ، وَالْإِقَامَةُ ضِدُّ السَّفَرِ ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ دَاعِيَةٌ إلَى تَرْكِ الْفِعْلِ، وَفِي التَّرْكِ يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ أَمَّا السَّفَرُ فَإِنْشَاءُ فِعْلٍ فَلَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَعَلَى هَذَا قَالُوا أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ فِي الذَّهَابِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَكَذَا الْمُكْثُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَمَّا فِي الرُّجُوعِ فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةَ سَفَرٍ قَصَرُوا، وَلَوْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ فَعَلِمَ بِهِ أَهْلُ دَارِهِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ يُرِيدُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَصِرْ مُسَافِرًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ أَوْ عَلِمُوا وَلَمْ يَخْشَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ عَلَى إقَامَتِهِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْقَصْرِ تَفَرَّعَ فِي صَبِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ خَرَجَا قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي أَثْنَائِهَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ فَيَقْصُرُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيمَا بَقِيَ وَيُتِمُّ الَّذِي بَلَغَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْرِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ حِينَ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ وَالْبَاقِي بَعْدَ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ بِسَيْرٍ مُتَوَسِّطٍ) أَيْ مَعَ الِاسْتِرَاحَاتِ الَّتِي تَتَخَلَّلُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ) الْمُرَادُ بِمَشْيِ الْأَقْدَامِ سَيْرُ الْقَافِلَةِ اهـ. وَإِنَّ أَعْجَلَ السَّيْرَ سَيْرُ الْبَرِيدِ وَأَبْطَأَهُ سَيْرُ الْعَجَلَةِ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى آخِرِهِ)، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِجَوَازِ أَنْ يَبْلُغَ مَقْصِدَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَوْ قَدَرَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِمَسْحِ الْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute