للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضُ الْمُسَافِرِينَ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثِ مَرَاحِلَ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِي السَّيْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرْحَلَةٌ خُصُوصًا فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَقِيلَ: إنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْفَرَاسِخِ فَقُدِّرَ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَقِيلَ: بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَقِيلَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةَ السَّفَرِ فِي الْمَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّ وَإِنْ أَسْرَعَ فِي السَّيْرِ وَسَارَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ يَنْظُرَ كَمْ تَسِيرُ السَّفِينَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُسْتَوِيَةً مُعْتَدِلَةً فَيُجْعَلُ ذَلِكَ هُوَ الْمُقَدَّرُ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِهِ كَمَا فِي الْجَبَلِ.

وَأَمَّا الرَّابِعُ فَعِنْدَنَا فَرْضُ الْمُسَافِرِ فِي الرَّبَاعِيَةِ رَكْعَتَانِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَرْضُهُ الْأَرْبَعُ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ اعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ وَلَنَا حَدِيثُ «عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «صَحِبْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ فَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى صَلَاتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي السَّفَرِ رَوَى الْقَصْرَ فَلَوْ كَانَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ أَرْبَعًا لَمَا تَرَكَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الدَّوَامِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَشَقَّ وَالْعَزِيمَةَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَ فِي حَقِّهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلِأَنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَا يُقْضَى، وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

أَيَّامٍ إذَا كَانَ سَفَرُهُ يَسْتَوْعِبُهَا فَصَاعِدًا لَا يُقَالُ إنَّهُ احْتِمَالٌ يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ صَارُوا إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ بِهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَمَشَى إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ فِي الثَّالِثِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ فَبَلَغَ الْمَقْصِدَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا عِنْدَ النِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا خَرَجَ الْحَدِيثُ إلَى حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ قَالُوا بَقِيَّةُ كُلِّ يَوْمٍ مُلْحَقَةٌ بِالْمُقْضَى مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَخَلُّلِ الِاسْتِرَاحَاتِ لِتَعَذُّرِ مُوَاصَلَةِ السَّيْرِ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ أَنَّ مُسَافِرًا مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ عَصْرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَمْسَحُ فِيهِ فَلَيْسَ تَمَامُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مُلْحَقًا بِهِ شَرَعَا حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ رُخْصَةُ السَّفَرِ وَلَا هُوَ سَفَرٌ حَقِيقَةً فَظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ شَرْعًا إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةً وَهُوَ عَيْنُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ لَا يَمْسَحُهَا وَآلَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِمَنْعِ هَذَا الْقَوْلِ وَاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ

وَإِنْ صَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَعَلَى هَذَا يَقُولُ: لَا يَقْصُرُ هَذَا الْمُسَافِرُ وَأَنَا لَا أَقُولُ بِاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ بَلْ إنَّهُ لَا مَخْلَصَ مِمَّا أَوْرَدْنَاهُ إلَّا بِهِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ - وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَعْرًا بِحَيْثُ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا قَصَرَ بِالنَّصِّ وَعَلَى التَّقْدِيرِ بِأَحَدِ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ لَا يَقْصُرُ فَيُعَارِضُ النَّصَّ فَلَا يُعْتَبَرُ سِوَى سَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى اعْتِبَارِ سَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِمَشْيِ الْأَقْدَامِ لَوْ سَارَ مُسْتَعْجِلًا كَالْبَرِيدِ فِي يَوْمٍ قَصَرَ فِيهِ وَأَفْطَرَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ، وَهُوَ قَطْعُ مُسَافِرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ كَذَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ الَّذِي قُلْنَا، وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِمَنْعِ قَصْرِ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قَطَعَ فِيهِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَزِمَ الْقَصْرُ لَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ صَغِيرَةٍ كَقَدْرِ دَرَجَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبَ كَرَامَةِ الطَّيِّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ.

وَهُوَ بَعِيدٌ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ أَعْنِي لِلتَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرِهَا؛ لِأَنَّهَا الْمَجْعُولَةُ مَظِنَّةً لِلْحُكْمِ بِالنَّصِّ الْمُقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَسْحِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ أَنَّ بِالْأَكْثَرِ يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ ذَلِكَ الْفَرْعُ، وَهُوَ مَا إذَا وَصَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى الْمَقْصِدِ فَلَوْ صَحَّ تَفْرِيعُهُمْ جَوَازَ التَّرَخُّصِ مَعَ سَيْرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ إذَا قَطَعَ فِيهِ قَدْرَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ يَبْطُلُ الدَّلِيلُ وَلَا دَلِيلَ غَيْرُهُ فِي تَقْدِيرِهِمْ أَدْنَى مُدَّةِ الْمَسْحِ فَيَبْطُلُ أَصْلُ الْحُكْمِ أَعْنِي تَقْدِيرَهُمْ أَدْنَى السَّفَرِ يَتَرَخَّصُ بِثَلَاثَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ يَحْكِي خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ وَيَنْقُلُ اخْتِلَافَ عِبَارَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ رُخْصَةً عَنَى رُخْصَةَ الْإِسْقَاطِ، وَهُوَ الْعَزِيمَةُ وَتَسْمِيَتُهَا رُخْصَةً مَجَازٌ، وَهَذَا بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ «عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَإِعْلَالُهُ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ مَدْفُوعٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ حَكَمَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ) يَعْنِي لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الْفِعْلِ فَرْضًا إلَّا كَوْنَهُ مَطْلُوبًا أَلْبَتَّةَ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا عَلَى الْخِلَافِ الِاصْطِلَاحِيِّ فَإِثْبَاتُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَدَائِهِ وَتَرْكِهِ رُخْصَةٌ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَيْسَ حَقِيقَةً إلَّا نَفْيُ الِافْتِرَاضِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْهُومِ الْفَرْضِ فَيَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ثُبُوتَ التَّرَخُّصِ مَعَ قِيَامِ الِافْتِرَاضِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي التَّأْخِيرِ وَنَحْوِهِ مِنْ عَدَمِ إلْزَامِ بَعْضِ الْكَيْفِيَّاتِ الَّتِي عُهِدَتْ لَازِمَةً فِي الْفَرْضِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَطْعِيٌّ فِي الْإِسْقَاطِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرْضِ مَا بَقِيَ. اهـ. فَتْحٌ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ إلَى آخِرِهِ مُشْكَلٌ بِالزَّائِدِ عَلَى قِرَاءَةِ آيَةٍ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ يُثَابُ وَيَقَعُ فَرْضًا، وَلَوْ تَرَكَهُ لَا يُعَاقَبُ مَعَ أَنَّهُ يَقَعُ فَرْضًا، وَكَذَا بِالزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْفَرْضِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَبِصَوْمِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَا يُعَاقَبُ، وَلَوْ فَعَلَهُ يُثَابُ وَيَقَعُ فَرْضًا، وَكَذَا مِنْ لَا اسْتِطَاعَةَ لَهُ عَلَى الْحَجِّ لَوْ تَرَكَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>