للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَقِيَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فِيهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ حَيًّا وَكَفَنُهُ مَيِّتًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُؤْنَةُ الْمِلْكِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَنُوبُ قَبْضُهُ عَنْ قَبْضِ الْمَضْمُونِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» قُلْنَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصَّاحِبُ هُوَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا يُقَالُ لِلْمُضَارِبِ صَاحِبُ الْمَالِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْفَضْلَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ لِرَبِّ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا وَلَا يَغْلَقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ تَقُولُ رَجَعَ الرَّهْنُ إلَى رَبِّهِ فَيَكُونُ غُنْمُهُ لَهُ وَيَرْجِعُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ غُرْمُهُ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مُؤَوَّلًا لَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» عَلَى مَا قَالُوا الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ السَّلَفِ وَعَنْ النَّخَعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ رَهْنًا وَأَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمًا فَقَالَ إنْ جِئْتُك بِحَقِّك إلَى كَذَا وَكَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ فَجَعَلَهُ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَةِ وَمُوجِبُ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهَذَا يُحَقِّقُ الصِّيَانَةَ، وَإِنْ كَانَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ بِخِلَافِ الصَّكِّ وَالشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ فِيهِمَا حَتَّى يَسْقُطَ دَيْنُهُ بِالْهَلَاكِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ عِنْدَنَا صَيْرُورَةُ الرَّهْنِ مُحْتَبَسًا بِدَيْنِهِ بِإِثْبَاتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِالْعَيْنِ اسْتِيفَاءً مِنْهُ عَيْنًا بِالْبَيْعِ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيَخْرُجُ عَلَى الْأَصْلَيْنِ عِدَّةُ مَسَائِلَ كُلُّهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا مِنْهَا أَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ مُوجِبَهُ، وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ وَعِنْدَهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي مُوجِبَهُ، وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ وَمِنْهَا أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ عِنْدَنَا فَيُحْبَسُ مَعَ الْأَصْلِ وَعِنْدَهُ لَا يَسْرِي؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْحَادِثَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ يَكُونُ لِلْمُسْتَوْفِي فَكَذَا فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الرَّهْنِ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ فَتَعَيُّنُ عَيْنِ الْمَبِيعِ لَا يُوجِبُ تَعَيُّنَ عَيْنٍ أُخْرَى لَهُ.

وَمِنْهَا أَنَّ رَهْنَ الْمُشَاعِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ، وَهُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ ثُمَّ كَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ زُفَرُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّهْنُ كُلُّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ حَتَّى إذَا كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَمَانُ الْفَضْلِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فِي الرَّهْنِ وَالتَّرَادُّ يَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْفَضْلِ عِنْدَ الْهَلَاكِ؛ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ مَرْهُونَةٌ؛ لِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً بِهِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً كَمَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ وَلِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا تُوجِبُ الضَّمَانَ إلَّا بِقَدْرِ الْمُسْتَوْفَى كَمَا فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِأَنْ أَوْفَاهُ دَرَاهِمَ فِي كِيسٍ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَالزِّيَادَةُ مَرْهُونَةٌ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ حَبْسِ الْأَصْلِ بِدُونِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرَادِّ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَالَةَ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ وَرَوَى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْهُ أَنَّهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ حُجَّةٌ وَكَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ، وَقَدْ هَلَكَ الرَّهْنُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ سَلِّمْ الْعَيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَخُذْ مِنْهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا إذْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ بِهِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ قَدْرَ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ، وَإِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ بَقِيَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فِيهِ أَمَانَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ أَمَّا الْعَيْنُ أَمَانَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ لِلدَّيْنِ مِنْ وَجْهٍ فَلَوْ كَانَ اسْتِيفَاءً لِلدَّيْنِ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ الدَّيْنِ أَوْ اسْتِيفَاءً لِبَدَلِ الدَّيْنِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي لِإِجْمَاعِنَا أَنَّ الرَّهْنَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَأَجَابَ عَنْهُ بِهَذَا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ؛ لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ ثَابِتَةٌ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الْعَيْنُ كَالْكِيسِ فَلَوْ كَانَ أَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي الْكِيسِ يَكُونُ مَا فِي الْكِيسِ مَضْمُونًا دُونَ الْكِيسِ فَكَذَا هُنَا مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ مَضْمُونٌ دُونَ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الرَّاهِنِ وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ اهـ

(قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ») أَيْ لَا يُمْلَكُ بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ «لَهُ غُنْمُهُ») أَيْ زَوَائِدُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ نَفَقَتُهُ وَكَفَنُهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْفَائِقِ يُقَالُ غَلَقَ الرَّهْنُ غُلُوقًا إذَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهِ وَكَانَ مِنْ أَفَاعِيلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا لَمْ يَرُدَّ مَا عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الْمُؤَقَّتِ مَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا لَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَعِنْدَنَا يَسْقُطُ وَمِنْهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ، وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ) أَيْ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ عِنْدَنَا)؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِلْأُمِّ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ رَهْنَ الْمَشَاعِ إلَخْ) وَمِنْهَا أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ وَيَشْرَبَ لَبَنَهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ مِلْكِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ بَطَلَ إعْتَاقُهُ وَعِنْدَنَا يَنْفُذُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ) أَيْ وَاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ. اهـ. غَايَةٌ وَرَوَى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِأَكْثَرَ مِمَّا رَهَنَ بِهِ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِمَّا رَهَنَ بِهِ رَدَّ الرَّاهِنُ الْفَضْلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>