هَلَكَتْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونُ بِهَا قَبْلَ الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ بِقِيمَةِ تِلْكَ الْعَيْنِ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالزَّائِدِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ أَكْثَرَ، وَلَا يَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ مِنْ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ كَمَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَفِيهِ فَضْلٌ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ لَا يَصِحُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا الْقِيمَةُ، وَهِيَ دَيْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَصْفُ الدَّيْنِ بِكَوْنِهِ مَضْمُونًا وَصْفٌ ضَائِعٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَكُونُ إلَّا مَضْمُونًا، وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي فَتْوَاهُ وَصَاحِبُ الْمَبْسُوطِ إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ مُكَاتَبِهِ رَهْنًا جَازَ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَخَذَ الْكَفِيلُ بِهِ وَفِي الْمُحِيطِ الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ فِي الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَالِارْتِهَانَ اسْتِيفَاءٌ، وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا وَلَوْ رَهَنَ بِمُكَاتَبِهِ عَبْدًا فَأَبَقَ الْعَبْدُ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَإِنْ رَجَعَ الْآبِقُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ رَهْنًا بِمُكَاتَبَتِهِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَالْمُكَاتَبِ حَتَّى يَمْلِكَ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ لِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ فَلَا تَمْتَنِعُ بِهِ الْمُطَالَبَةُ وَكَذَا لَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ، وَهُوَ الْمُمَاطَلَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَضَاءِ مُفَصَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ رَهْنِهِ وَالرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا) أَيْ إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ أَوَّلًا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ بَاقٍ؛ وَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ مَالَهُ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَإِذَا أَحْضَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوَّلًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ؛ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ فِي بَابِ السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِالتَّخْلِيَةِ دُونَ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ بِيعَ الرَّهْنُ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ ثَمَنِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ) وَقَيَّدَ الدَّيْنَ بِالْمَضْمُونِ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّيُونِ مَضْمُونَةٌ كَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقِيلَ أُرِيدَ بِالدَّيْنِ الْمَضْمُونِ مَا كَانَ وَاجِبًا لِلْحَالِ أَيْ لَا يَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ وَاجِبٍ لِلْحَالِ لَا بِدَيْنٍ سَيَجِبُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الرَّهْنِ بِالدَّرَكِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمَانِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَقِيلَ احْتِرَازٌ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِتَعْجِيزِ النَّفْسِ وَفِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ الرَّهْنَ فِي دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَبِيعُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ يَحْبِسُ الرَّهْنَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ أَوْ يَبِيعَ هُوَ الرَّهْنَ فَيُؤَدِّيَ دَيْنَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْحَجْرِ بِالْفَلَسِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَبِيعُ مَالَ الْمُفْلِسِ وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ بَاعَ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) أَيْ يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ أَوَّلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ) أَيْ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ الرَّهْنُ إنْ طَلَبَهُ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّهُ غَائِبٌ فَيَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ فَيَبْطُلُ أَيْضًا الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَفَ اقْتَضَى دَيْنَهُ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِذَا طَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ أُمِرَ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَوْ أَمَرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ إحْضَارِ الرَّهْنِ فَرُبَّمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ هَالِكًا قَبْلَ ذَلِكَ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مَرَّتَيْنِ فَإِذَا أَحْضَرَهُ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ دَيْنِهِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوَّلًا وَكَذَا إنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الرَّهْنِ وَلَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا كَمَكَانِ الْعَقْدِ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِي السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ
وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَأْخُذُ دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى إحْضَارِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ عَاجِزٌ عَنْ الْإِحْضَارِ، وَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي بَلَدٍ لَمْ يُجْرَ فِيهِ الْعَقْدُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ وَلَكِنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ اهـ قُلْت وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا طَالَبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَمَرَ الْمُرْتَهِنَ أَوَّلًا بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا فَإِذَا أَحْضَرَهُ أَمَرَ الرَّاهِنَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَكَذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَأْخُذُ دَيْنَهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِيعَ الرَّهْنُ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي فَلْيُتَأَمَّلْ وَانْظُرْ عِبَارَةَ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ إحْضَارَ ثَمَنِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute