بَيْعَهُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَصَحَّ وَصَارَ الرَّهْنُ دَيْنًا فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ دَيْنٌ، وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ، وَاَلَّذِي يَقْبِضُ الثَّمَنَ هُوَ الْبَائِعُ مُرْتَهِنًا كَانَ أَوْ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَكَمَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّاهِنِ بِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ يُكَلَّفُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ لِاحْتِمَالِ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِ مَعَ إقْرَارِهِ بِبَقَائِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ خَطَأً الْعَبْدَ الرَّهْنَ حَتَّى قَضَى بِالْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا بِفِعْلِ الرَّاهِنِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ صَارَ دَيْنًا بِفِعْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ لِكَوْنِهَا بَدَلًا عَنْهَا وَلَوْ وُضِعَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَأُذِنَ بِالْإِيدَاعِ فَفَعَلَ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ فَطَلَبَ دَيْنَهُ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وُضِعَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُهُ فِي قُدْرَتِهِ وَكَذَا لَوْ وَضَعَهُ الْعَدْلُ فِي يَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَغَابَ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ يَفِرُّ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْعَدْلِ وَيَقُولُ لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ إحْضَارَ الرَّهْنِ لَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ وَكَذَا إذَا غَابَ الْعَدْلُ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَحَدَ الَّذِي أَوْدَعَهُ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِأَنْ قَالَ هُوَ مَالِي حَيْثُ لَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ فَقَدْ تَوَى الْمَالُ وَالتَّوَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ) أَيْ لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِكَيْ يَقْضِيَ بِثَمَنِهِ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ لَا الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَلَوْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِذَا قَضَى سَلَّمَ الرَّهْنَ) أَيْ إذَا قَضَى الرَّاهِنُ جَمِيعَ الدَّيْنِ سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ بِوُصُولِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ فَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الرَّاهِنِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْهَلَاكِ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ لَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى حَالِهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ يُبْرِئْهُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الدَّيْنِ وَكَذَا لَوْ فَسَخَا الرَّهْنَ لَا يَنْفَسِخُ مَا دَامَ فِي يَدِهِ حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْفَسْخِ يَكُونُ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَهُ فَيَكُونُ هَالِكًا بِدَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ رَهْنًا؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ رَهْنًا بِأَمْرَيْنِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْقَ رَهْنًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ اسْتِخْدَامًا وَسُكْنَى وَلُبْسًا وَإِجَارَةً وَإِعَارَةً)؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَقْتَضِي الْحَبْسَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ دُونَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ، وَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِالتَّعَدِّي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحْفَظُهُ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ أَيْضًا فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَأَجِيرُهُ الْخَاصُّ كَوَلَدِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْهُ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ بِحِفْظِهِ بِغَيْرِهِمْ وَبِإِيدَاعِهِ وَتَعَدِّيهِ قِيمَتَهُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَيْنَهُ وَدِيعَةٌ الْوَدِيعَةُ تُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِهَا فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَهَلْ يَضْمَنُ الْمُودَعُ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي مُودَعِ الْمُودَعِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ إنْ قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَلَا يُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ إلَّا بِالْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْضِيَهُ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصَرِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الرَّهْنَ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِهِ وَالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَلَوْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ كَانَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً، فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا بِفِعْلِ الرَّاهِنِ) أَيْ بَلْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ امْرَأَةً إلَخْ) لَفْظَةُ لَوْ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِهَا) فَصَارَ غَاصِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْمَغْصُوبِ)؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ) يَعْنِي أَنَّ فِي تَضْمِينِ الْمُودَعِ الثَّانِي خِلَافًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَالْأَوَّلِ. اهـ. غَايَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute