يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ اللَّحْمَ فَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ تَفْوِيتُ اللَّحْمِ فِيهِ مَوْجُودًا بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ ذَلِكَ النِّصْفَ حَيَاةً فَلَوْ ضَمِنَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ يَتَكَرَّرَ الضَّمَانُ بِأَنْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ حَيًّا ثُمَّ يَضْمَنُ قِيمَةَ لَحْمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ بَيِّنَةً عِنْدَ رَمْيِ الثَّانِي وَكَانَ الرَّمْيُ الثَّانِي بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ أَمَّا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ خَفِيَّةً بِقَدْرِ الْمَذْبُوحِ فَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي وَيُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَى الثَّانِي؛ وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَعَنْهُ وَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْآخَرُ أَوْ رَمَاهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَ مَا أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ فَأَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَأَثْخَنَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَيُؤْكَلُ
وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ حَالَةَ إصَابَةِ الثَّانِي غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَاهُ الثَّانِي بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ قُلْنَا عِنْدَ رَمْيِ الثَّانِي هُوَ صَيْدٌ مُمْتَنِعٌ فَوَقَعَ رَمْيُهُ ذَكَاةً؛ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الرَّمْيِ فَكَذَا الِامْتِنَاعُ يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ سَهْمَهُ أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَمَلَكَهُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ سَهْمُ الثَّانِي بِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالضَّمَانِ وَقْتُ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى صَيْدٍ مُبَاحٍ فَلَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ ذَكَاةٌ فَيَحِلُّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ وَفِعْلُهُ هُوَ الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهُ، وَفِي حَقِّ الْمِلْكِ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِثْخَانِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَزُفَرُ يَعْتَبِرُ وَقْتَ الْإِثْخَانِ فِيهِمَا وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا وَأَصَابَاهُ فَمَاتَ مِنْهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَالْبَازِي وَالْكَلْبُ فِي هَذَا كَالسَّهْمِ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِإِثْخَانِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إمْسَاكُهُ بِدُونِ الْإِثْخَانِ حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ بَازِيَهُ فَأَمْسَكَ الصَّيْدَ بِمِخْلَبِهِ وَلَمْ يُثْخِنْهُ فَأَرْسَلَ آخَرُ بَازِيَهُ فَقَتَلَ ذَلِكَ الصَّيْدَ كَانَ الصَّيْدُ لِلثَّانِي وَحَلَّ لِأَنَّ يَدَ الْبَازِي الْأَوَّلِ لَيْسَتْ بِيَدٍ حَافِظَةٍ لِتُقَامَ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ أَمَّا الْقَتْلُ فَهُوَ إتْلَافٌ وَالْبَازِي مِنْ أَهْلِ الْإِتْلَافِ فَيُنْقَلُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَأَصَابَ الصَّيْدَ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ حَرُمَ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَأَصَابَ سَهْمًا مَوْضُوعًا عَلَى حَائِطٍ فَدَفَعَهُ وَمَضَى السَّهْمُ الثَّانِي وَأَصَابَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَّ؛ لِأَنَّ انْدِفَاعَ السَّهْمِ الثَّانِي بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ فَأُضِيفَ إلَى رَامِيهِ كَأَنَّهُ رَمَاهُ بِهِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ وَرَمَى رَجُلٌ آخَرُ إلَى ذَلِكَ الصَّيْدِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَصَابَ السَّهْمُ الثَّانِي السَّهْمَ الْأَوَّلَ وَأَمْضَاهُ حَتَّى أَصَابَ الصَّيْدَ وَقَتَلَهُ جَرْحًا يُنْظَرُ إنْ كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ إلَى الصَّيْدِ بِدُونِ دَفْعِ الثَّانِي فَالصَّيْدُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّانِي مَجُوسِيًّا أَوْ مُحْرِمًا لَا يَحِلُّ
وَإِنْ كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَبْلُغُ الصَّيْدَ بِدُونِ السَّهْمِ الثَّانِي فَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّابِقُ فِي الْأَخْذِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مَجُوسِيًّا أَوْ مُحْرِمًا لَا يَحِلُّ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ زِيَادَةَ قُوَّةٍ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَأَوْجَبَ الْحُرْمَةَ احْتِيَاطًا مَجُوسِيٌّ رَمَى صَيْدًا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ هَارِبًا مِنْ سَهْمِهِ أَوْ كَلْبِهِ فَرَمَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ قَبْلَ وُقُوعِ سَهْمِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى الْأَرْضِ وَقَبْلَ رُجُوعِ كَلْبِهِ كُرِهَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ إعَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا فِعْلُهُ لَمَا قَدَرَ الْمُسْلِمُ عَلَى قَتْلِهِ بِهَذَا الرَّمْيِ وَالشَّرِكَةُ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالْإِعَانَةُ تُوجِبُ الْكَرَاهَةَ أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِ سَهْمِ الْمَجُوسِيِّ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَعْدَ رُجُوعِ كَلْبِهِ فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَمْ يَبْقَ حَالَ رَمْيِ الْمُسْلِمِ وَإِرْسَالِهِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَصَرَفَتْهُ الرِّيحُ عَنْ سَنَنِهِ حَلَّ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَصَابَ السَّهْمُ حَائِطًا أَوْ صَخْرَةً فَارْتَدَّ وَأَصَابَ صَيْدًا حَيْثُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ قَدْ انْقَطَعَ بِالِارْتِدَادِ إلَى وَرَاءَ وَكَذَا إذَا رَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَى وَرَاءَ لَا يَحِلُّ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى وَرَاءَ بِضَرْبِ رَجُلٍ آخَرَ بِسَهْمِهِ حَيْثُ يَحِلُّ إذَا كَانَ يَرْمِيهِ بِقَصْدِ الِاصْطِيَادِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ انْقَطَعَ فَكَانَ مُضَافًا إلَى الثَّانِي فَيَحِلُّ وَلَوْ انْحَرَفَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً بِإِصَابَةِ الْحَائِطِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى وَرَاءَ حَلَّ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّيحِ؛ وَلِأَنَّ قُوَّةَ الرَّمْيِ لَمْ تَنْقَطِعْ فَيُضَافُ إلَى الرَّامِي وَلَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَضَرَبَتْ السَّهْمَ فَزَادَتْ فِي ذَهَابِهِ فَأَصَابَ الصَّيْدَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الرِّيحِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الرَّامِي فَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِهَذِهِ الْإِعَانَةِ شُبْهَةُ الشَّرِكَةِ فَبَقِيَتْ الْإِصَابَةُ مُضَافَةً إلَى الرَّمْيِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي) لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِثْخَانِ، وَهُوَ شَرْطٌ لِلْحِلِّ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute