للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسَرَاهُمْ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ تَجُوزُ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] وَأَخَذَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ الْمَالَ فِدَاءً عَنْ أَنْفُسِهِمْ قُلْنَا نُسِخَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِآيَةِ السَّيْفِ لِأَنَّ الْمَنَّ وَالْفِدَاءَ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَآيَةُ السَّيْفِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ وَهِيَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ وَعُوتِبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْأَخْذِ يَوْمَ بَدْرٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: ٦٨] الْآيَةَ فَجَلَسَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ يَبْكِيَانِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَذَابٌ لَمَا نَجَا إلَّا عُمَرُ وَكَانَ قَدْ قَالَ بِقَتْلِهِمْ دُونَ أَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَعَقْرُ مَوَاشٍ شَقَّ إخْرَاجُهَا فَتُذْبَحُ وَتُحْرَقُ) يَعْنِي يَحْرُمُ عَقْرُ الْمَوَاشِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَلْ تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُتْرَكُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَنَا أَنَّ ذَبْحَ الْأَنْعَامِ جَائِزٌ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَا غَرَضَ أَصَحَّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَإِلْحَاقِ الْغَيْظِ بِهِمْ ثُمَّ تُحْرَقُ كَيْ لَا يَنْتَفِعُوا بِاللَّحْمِ كَمَا تُخَرَّبُ بُيُوتُهُمْ وَتُقَطَّعُ أَشْجَارُهُمْ وَتُقْلَعُ زُرُوعُهُمْ وَلَا تُحْرَقُ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا تُعْقَرُ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَتُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا يُدْفَنُ فِي مَكَان لَا يَقِفُونَ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَنْتَفِعُوا بِهِ وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ نَقْلُ السَّبْيِ يُقْتَلُ الرِّجَالُ مِنْهُمْ وَتُخْلَى الذَّرَارِيُّ فِي مَضْيَعَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جَوْعًا وَعَطَشًا كَيْ لَا يَعُودَ ضَرَرُهُمْ عَلَيْنَا بِالتَّوَالُدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَقِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِهِمْ لَا لِلْإِيدَاعِ) أَيْ حَرُمَ قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِغَيْرِ الْإِيدَاعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ قِسْمَتُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا إذَا لَحِقَهُمْ مَدَدٌ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَلَا يُشَارِكُونَهُمْ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يُشَارِكُونَهُمْ وَمِنْهَا أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْغَانِمِينَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ فَأَعَادَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ عِنْدَهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ لِفَقْدِ الْمِلْكِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ وَتُقَسَّمُ الْأَمَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَمِنْهَا جَوَازُ بَيْعِهِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَعِنْدَنَا لَا وَمِنْهَا مَا إذَا مَاتَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ يُورَثُ نَصِيبُهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ وَمِنْهَا مَا لَوْ أَتْلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَضْمَنُ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ «وَأَخَذَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ الْمَالَ فِدَاءً») أَيْ فَإِنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَادَى أَسَارَى بَدْرٍ بِالْمَالِ وَالْفِدَاءُ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا نُسِخَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِآيَةِ السَّيْفِ) قَالَ تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] إلَى قَوْلِهِ {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٦٨] (قَوْلُهُ وَهِيَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ) أَيْ فِي هَذَا الشَّأْنِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَقْرُ مَوَاشٍ) الْمَوَاشِي جَمْعُ مَاشِيَةٍ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنَى الْأَكْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْمَأْكَلَةُ مَصْدَرٌ كَالْأَكْلِ. اهـ. كَيْ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ هَذَا غَرِيبٌ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) أَيْ لِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا) أَيْ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَتُخْلَى الذَّرَارِيُّ فِي مَضْيَعَةٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ تُتْرَكُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي أَرْضٍ غَامِرَةٍ أَيْ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا لِأَنَّ النِّسَاءَ بِهِنَّ النَّسْلُ وَالصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيَصِيرُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ ثُمَّ قَدْ صَارُوا أَسَارَى بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ وَقَدْ «أَوْصَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَسْرَى خَيْرًا». اهـ.

(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ) قَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْقَسْمِ حَيْثُمَا كَانَتْ أَوْ بِاخْتِيَارِ الْغَانِمِ التَّمَلُّكَ وَلَيْسَ هُوَ قَائِلًا إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِينَ بِالْهَزِيمَةِ كَمَا نَقَلُوا عَنْهُ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَسْمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِلْكُ أَحَدٍ بَلْ يَتَأَكَّدُ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ عَبْدًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ لَا يُعْتَقُ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَالِكٌ مُشْتَرَكٌ عَتَقَ بِعِتْقِ الشَّرِيكِ وَيَجْرِي فِيهِ مَا عُرِفَ فِي عِتْقِ الشَّرِيكِ وَتَخْرُجُ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْهَزِيمَةِ بَلْ لِاخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ فَبِالْهَزِيمَةِ ثَبَتَ لِكُلٍّ حَقُّ التَّمَلُّكِ فَإِنْ سَلَّمَتْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَخَذَهَا وَإِلَّا أَخَذَهَا وَكَمَّلَ مِنْ مَالِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْحَمْلِ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِثُبُوتِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَتُقْسَمُ الْجَارِيَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عِنْدَنَا وَلَوْ تَأَكَّدَ الْحَقُّ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ بِخِلَافِ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ فَيَمْتَلِكُهَا بِنَاءً عَلَى الِاسْتِيلَادِ وَلَيْسَ لَهُ هُنَا تَمَلُّكُ الْجَارِيَةِ بِدُونِ رَأْي الْإِمَامِ نَعَمْ لَوْ قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ الْعَرَّافَةِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ صَحَّ اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمْ لَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ لَهَا لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ تِلْكَ الرَّايَةِ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَعِتْقُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ نَافِذٌ لَكِنَّ هَذَا إذَا قَلُّوا حَتَّى تَكُونَ الشَّرِكَةُ خَاصَّةً أَمَّا إذَا كَثُرُوا فَلَا لِأَنَّ بِالشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ قَالَ وَالْقَلِيلُ إذَا كَانُوا مِائَةً أَوْ أَقَلَّ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَوْلَى لَا يُؤَقَّتُ وَيُجْعَلُ مَوْكُولًا إلَّا اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْعُقْرُ) أَيْ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لِوُجُودِ سَبَبٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا جَوَازُ بَيْعِهِ) أَيْ بَيْعُ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا إذَا مَاتَ وَاحِدٌ) أَيْ مِنْ الْغُزَاةِ أَوْ قُتِلَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا لَوْ أَتْلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا يَضْمَنُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>