لَا عَنْ اجْتِهَادٍ وَلَا لِحَاجَةِ الْغُزَاةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَصِحُّ لَهُ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ فِيهَا وَغَنَائِمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِيهَا» وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ قَدْ تَمَّ وَهُوَ الِاسْتِيلَاء عَلَى مُبَاح فَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ مُوجِبه كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَاب.
وَلَنَا أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْع الْغَنِيمَة فِي دَار الْحَرْب» وَالْقِسْمَة فِيهَا مَعْنَى الْبَيْع لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُبَادَلَة مَعْنَى وَالْبَيْع أَيْضًا عَلَى الْخِلَاف فَيَكُون حُجَّة عَلَيْهِ فِيهِ وَفِي الْقِسْمَة دَلَالَة وَلِأَنَّ فِيهِ قَطَعَ حَقّ الْمَدَد فَلَا يَشْرَع كَيْلًا يَتَقَاعَدُوا عَنْ الْغَوْث وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاء يَكُون بِإِثْبَاتِ الْيَد وَالنَّقْل وَلَمْ يُوجَد النَّقْل لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الِاسْتِنْقَاذ ظَاهِرًا إذْ الْقُوَّة لَهُمْ فِي دَارهمْ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَسَمَ قَبْل الْهَزِيمَة أَوْ قَبْل اسْتِقْرَارهَا وَمَا رُوِيَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَتْح تِلْكَ الْبِلَاد وَصَارَتْ دَار الْإِسْلَام وَلَا خِلَاف فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِيمَا إذَا لَمْ تَصِرْ دَار الْإِسْلَام ثُمَّ هِيَ لَا تَجُوز عِنْدهمَا وَعِنْد مُحَمَّدٍ تَكْرَه كَرَاهِيَة تَنْزِيه وَعِنْد الشَّافِعِيِّ لَا تَكْرَه فَتَتَرَتَّب الْأَحْكَام عَلَيْهَا عِنْدهمَا وَعِنْدنَا لَا تَتَرَتَّب وَقِيلَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ فَصْل مُجْتَهِد فِيهِ وَقَدْ أَمْضَاهُ وَقِيلَ إذَا قَسَمَ عَنْ اجْتِهَاد جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَسَمَ لَا عَنْ اجْتِهَاد فَهُوَ مَوْضِع الْخِلَاف وَقَوْله لَا لِلْإِيدَاعِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقِسْمَة لِلْإِيدَاعِ جَائِزَة وَصُورَتهَا أَنْ لَا يَكُون لِلْإِمَامِ مِنْ بَيْت الْمَال حَمُولَةٌ يَحْمِل عَلَيْهَا الْغَنَائِم فَيَقْسِمهَا بَيْن الْغَانِمِينَ قِسْمَة إيدَاعٍ لِيَحْمِلُوهَا إلَى دَار الْإِسْلَام ثُمَّ يَرْتَجِعهَا مِنْهُمْ فِيهَا فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْمِلُوهَا أَجْبُرهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْل فِي رِوَايَة السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ دَفَعَ ضَرَر عَام بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ خَاصّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّة شَهْرًا فَمَضَتْ الْمُدَّة فِي الْمَفَازَة أَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَة فَمَضَتْ الْمُدَّة فِي وَسَط الْبَحْر فَإِنَّهُ يَنْعَقِد إلَيْهَا إجَارَة أُخْرَى بِأَجْرِ الْمِثْل وَلَا يَجْبُرهُمْ فِي رِوَايَة السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَر عَلَى عَقَدَ الْإِجَارَة ابْتِدَاء كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّته فِي الْمَفَازَة وَمَعَ رَفِيقه دَابَّة لَا يُجْبَر عَلَى الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ فَإِنَّهُ بِنَاء وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ وَهُوَ أَسْهَلَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْت الْمَال أَوْ فِي الْغَنِيمَة حُمُولَة حَمَلَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْكُلّ مَالهمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَبَيْعُهَا قَبْلَهَا) أَيْ حَرُمَ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبْتَاعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقَسَّمَ وَلَا أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ وَلَا أَنْ يَرْكَبَ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِهَا نَصِيبُهُ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرَكَ الرِّدْءَ وَالْمَدَدَ فِيهَا) أَيْ فِي الْغَنِيمَةِ أَمَّا الرِّدْءُ فَلِتَحَقُّقِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ وَهِيَ السَّبَبُ عِنْدَنَا لَا حَقِيقَةَ الْقِتَالِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شُهُودُ الْوَقْعَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَأَمَّا الْمَدَدُ فَلِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ هُوَ الْقَهْرُ وَتَمَامُ الْقَهْرِ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَقَدْ شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ بِالْمَدَدِ يَنْقَطِعُ طَمَعُهُمْ فِي الِاسْتِنْقَاذِ وَفِيهِ تَحْرِيضُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْإِمْدَادِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى قَهْرِ الْعَدُوِّ وَالتَّلَاحُقِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: ٦٥] وَفِي عَكْسِهِ عَكْسُهُ مِنْ التَّقَاعُدِ وَعَدَمِ التَّنَاصُرِ فَيُؤَدِّي إلَى خِذْلَانِهِمْ فَلَا يَجُوزُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ إذَا لَحِقُوهُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَتَقَرُّرِ الْهَزِيمَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِالْأَخْذِ وَاسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ وَعِنْدَنَا تُمْلَكُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ فِيهَا صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْإِحْرَازِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ الْخَاصُّ أَوْ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ جَوَازَهُ يَعْتَمِدُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا فَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ بِاسْتِقْرَارِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(لَا السُّوقِيُّ بِلَا قِتَالٍ) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ أَهْلَ سُوقِ الْعَسْكَرِ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ يُسْهَمُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» وَلِأَنَّ الْجِهَادَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَعْنًى بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ فَصَارُوا كَالْمُقَاتِلِينَ وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا التِّجَارَةَ لَا إعْزَازَ الدِّينِ وَإِرْهَابَ الْعَدُوِّ فَإِنْ قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا السَّهْمَ لِأَنَّهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْقِتَالُ وَالتِّجَارَةُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يَضُرُّهُ كَالْحَاجِّ إذَا تَجَرَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوْ هُوَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَغَنَائِمُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ) أَيْ وَأَوْطَاسَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ) أَيْ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي تَجْوِيزِهِ الْبَيْعَ ثَمَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ حُمُولَةً) بِفَتْحِ الْحَاءِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيرٍ وَفَرَسٍ وَغَيْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَجْبُرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ) أَيْ وَالْأُجْرَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَجْبُرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجُهُ إنْ خَافَ تَفَرُّقَهُمْ لَوْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ يَفْعَلُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِلْحَاجَةِ وَفِيهِ إسْقَاطُ الْإِكْرَاءِ وَإِسْقَاطُ الْأُجْرَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ حَرُمَ بَيْعُ الْغَنَائِمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا فِي بَيْعِ الْغُزَاةِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا بَيْعُ الْإِمَامِ لَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَأَقَلُّهُ تَخْفِيفُ إكْرَاءِ الْحَمْلِ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ الْبَهَائِمِ وَنَحْوِهِ وَتَخْفِيفُ مُؤْنَتِهِ عَنْهُمْ فَيَقَعُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَقَعُ جُزَافًا فَيَنْعَقِدُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا. اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَرَك الرِّدْءَ) أَيْ وَهُوَ الْمُعِينُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالرِّدْءُ وَالْمُقَاتِلُ قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ سَوَاءٌ فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدٌ عَنْ آخَرَ بِشَيْءٍ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالْقِسْمَةِ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالْبَيْعِ) أَيْ بَيْعِ الْإِمَامِ الْغَنِيمَةَ. اهـ.
(قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ سُوقِ الْعَسْكَرِ مِنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ لَا سَهْمَ وَلَا رَضْخَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ) الْوَقْعَةُ هِيَ الْقِتَالُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْمُجْمَلِ الْوَاقِعَةُ صَدْمَةُ الْحَرْبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا السَّهْمَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا كَقَوْلِنَا وَالْآخَرُ يُسْهَمُ لَهُمْ. اهـ. فَتْحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute