للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَهِدَهَا عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَلَا مَنْ مَاتَ فِيهَا وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا يُورَثُ نَصِيبُهُ) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ مَنْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَمُرَادُهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الْغَنِيمَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ الْإِخْرَاجِ يُورَثُ نَصِيبُهُ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُورَثُ إذَا مَاتَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهِ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْتَفِعُ فِيهَا بِعَلَفٍ وَطَعَامٍ وَحَطَبٍ وَسِلَاحٍ وَدُهْنٍ بِلَا قِسْمَةٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَمْرٍو «إنَّ جَيْشًا غَنِمُوا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا وَعَسَلًا فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْخُمُسُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُمْ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ «أَصَبْت جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْته فَقُلْت لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَبَسِّمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَهَذَا أَقْوَى حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرَدِّهِ فِي الْغَنِيمَةِ.

وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ «أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيه ثُمَّ يَنْطَلِقُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُقَيِّدْ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ هُنَا بِالْحَاجَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَيَّدَهَا بِهَا فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فَلَمْ يُبَحْ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَوَجْهُ الْأُولَى إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذْ هُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَا يَكْفِيه مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ غَالِبًا فَلَوْ لَمْ يُبَحْ لَهُمْ التَّنَاوُلُ لَضَاقَ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ بِخِلَافِ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ غَالِبًا فَانْعِدَامُ دَلِيلِ الْحَاجَةِ حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ جَازَ لَهُ التَّنَاوُلُ أَيْضًا فَتَعَلَّقَ الْإِطْلَاقُ بِحَقِيقَةِ الْحَاجَةِ فِيهِمَا ثُمَّ يُرَدُّ إلَى الْمَغْنَمِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَا فَرْقَ فِي الطَّعَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ مُهَيَّأً لَهُ حَتَّى يَجُوزَ لَهُمْ ذَبْحُ الْمَوَاشِي مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْجَزُورِ وَيَرُدُّونَ جُلُودَهَا فِي الْغَنِيمَةِ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي الْجَزُورِ.

وَكَذَا أَكْلُ الْحُبُوبِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَالْيَابِسَةِ وَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَكُلِّ شَيْءٍ هُوَ مَأْكُولٌ عَادَةً وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْغَنِيمَةِ أَوْ مَنْ يَرْضَخُ لَهُ مِنْهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا أَوْ يُطْعِمُ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَمَالِيكِ وَكَذَلِكَ الْمَدَدُ لِأَنَّ لَهُ سَهْمًا فِيهَا وَلَا يُطْعِمُ الْأَجِيرَ، وَلَا التَّاجِرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ خُبْزَ الْحِنْطَةِ أَوْ طَبْخَ اللَّحْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ مِثْلُ الْأَدْوِيَةِ وَالطِّيبِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ» وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُؤْكَلُ عَادَةً وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ بَلْ لِلزِّينَةِ وَيَسْتَعْمِلُونَ الْحَطَبَ وَالطِّيبَ يَعْنِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَنْتَفِعُ فِيهَا) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِعَلَفٍ) يُقَالُ عَلَفَ الدَّابَّةَ يَعْلِفُ عَلَفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا أَطْعَمَهَا الْعَلَفَ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَلَا يُقَالُ أَعْلَفَهَا وَالدَّابَّةُ مَعْلُوفَةٌ وَعَلِيفٌ، وَالْعَلَفُ كُلُّ مَا اعْتَلَفَتْهُ الدَّابَّةُ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ عَلَفْت الدَّابَّةَ عَلَفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَاسْمُ الْمَعْلُوفِ عَلَفَ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْجَمْعُ عِلَافٌ مِثْلَ جَبَلٍ وَجِبَالٍ وَأَعْلَفْت بِالْأَلِفِ لُغَةً وَالْمِعْلَفُ بِالْكَسْرِ مَوْضِعُ الْعَلَفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ تُقَيَّدْ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ هُنَا بِالْحَاجَةِ) أَيْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ) أَيْ وَاخْتَارَهَا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلِهَذَا قَالَ مَا دَامَتْ الْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا بَأْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجُنْدِ بِتَنَاوُلِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْعَلَفِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ طَعَامٌ أَوْ عَلَفٌ فَاحْتَاجَ إلَيْهِ رَجُلٌ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَكَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ مِنْ سِلَاحِ الْغَنِيمَةِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِلْقِتَالِ ثُمَّ يَرُدَّهَا إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى هُنَا لَفْظُ السِّيَرِ الصَّغِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا جَوَابُ الْقِيَاسِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ غَالِبًا فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّ الْمَوْجُودَ إمَّا مَا يُؤْكَلُ أَوْ لَا وَمَا يُؤْكَلُ إمَّا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْإِهْلِيلِجِ أَوْ لَا فَالثَّانِي لَيْسَ لَهُمْ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ كَالْفَرَسِ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ بِأَنْ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ انْكَسَرَ سَيْفُهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ سَيْفَهُ وَفَرَسَهُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ تَلَفَ نَحْوَ الْحَطَبِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْمَنْحُوتِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَثَرَ الْمِلْكِ فَضْلًا عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهَا سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ إذَا انْقَضَى الْحَرْبُ وَكَذَا الثَّوْبُ إذَا أَضَرَّهُ الْبُرْدُ يَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ الرَّدِّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ احْتَاجَ الْكُلُّ إلَى الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ قَسَمَهَا بِخِلَافِ السَّبْيِ لَا يُقْسَمُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ لَا أُصُولِهَا فَيَسْتَصْحِبُهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُشَاةً فَإِنْ لَمْ يُطِيقُوا وَلَيْسَ مَعَهُ فَضْلُ حَمُولَةٍ قَتَلَ الرِّجَالَ وَتَرَك النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَهَلْ يُكْرَهُ مَنْ عِنْدَهُ فَضْلُ حَمُولَةٍ عَلَى الْحَمْلِ يَعْنِي بِالْأَجْرِ فِيهِ رِوَايَتَانِ تَقَدَّمَتَا وَأَمَّا مَا يُتَدَاوَى بِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَنَاوُلُهُ وَكَذَا الطِّيبُ وَالْأَدْهَانُ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ بَلْ الْفُضُولُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَرَضٌ بِأَحَدِهِمْ يُحْوِجُهُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَانَ ذَلِكَ كَلِبْسِ الثَّوْبِ فَالْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْحَاجَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي الْجَزُورِ) وَفِي الْإِيضَاحِ فِي الْبَقَرِ وَفِي الْمُحِيطِ فِي الْغَنَمِ فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالسَّمْنُ وَالزَّيْتُ) أَيْ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ. اهـ. كِفَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>