عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيُوقِحُونَ الدَّوَابَّ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَبِيعُهَا) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْأَخْذِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ التَّنَاوُلُ لِلضَّرُورَةِ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ رَدَّ الثَّمَنَ إلَى الْمَغْنَمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَالْمَتَاعِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ لِصِيَانَةِ سِلَاحِهِ وَدَابَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِلَا حَاجَةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ وَمُرَاعَاةُ حَقِّهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَدَدِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا لَا يَدْرِي أَيُلْتَحَقُ أَوْ لَا فَلَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ السَّبْيِ حَيْثُ لَا يُقْسَمُ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ لِأَنَّ حَاجَتَهُمْ لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا لَا) أَيْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْتَفِعُونَ بِالْغَنِيمَةِ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ وَهِيَ الضَّرُورَةُ وَلِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ رِضَاهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فَضُلَ رُدَّ إلَى الْغَنِيمَةِ) أَيْ الَّذِي فَضُلَ فِي يَدِهِ مِنْ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَرْبِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِهَا وَهَذَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا إنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَالْفَقِيرُ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الرَّدُّ صَارَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ لِوُجُودِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَا اسْتِرْقَاقُهُ لِأَنَّهُمَا جَزَاءُ الْكُفْرِ ابْتِدَاءً أَوْ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَالْمُسْلِمُ لَا يُبْتَدَأُ بِالرِّقِّ وَقَدْ انْدَفَعَ شَرُّهُ بِالْإِسْلَامِ وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ تَبَعٌ لَهُ فَيُلْحَقُونَ بِهِ هَذَا إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ فَهُوَ عَبْدٌ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ كَحَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَا أُخِذَ أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ وَمَالُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ هُوَ حَتَّى أَسْلَمَ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ فَحَسْب لِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلَّ مَالٍ مَعَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَقَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِصَخْرٍ يَا صَخْرُ إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ» وَلِأَنَّ يَدَهُ الْحَقِيقِيَّةَ سَبَقَتْ إلَيْهِ يَدُ الظَّاهِرِينَ فَكَانَتْ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا إذْ يَدُ الْمُودِعِ كَيَدِ الْمُودَعِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فِي الْحِفْظِ وَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا غَصْبًا حَيْثُ تَكُونُ فَيَأْخُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ كَيَدِ الْمَالِكِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْحَرْبِيِّ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبًا لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ حَتَّى جَازَ لَنَا التَّعَرُّضُ لَهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دُونَ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ) لِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ غَيْرُ تَابِعٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مَعْصُومًا عَنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِغْنَامِ إلَّا بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوْجَتِهِ وَحَمْلِهَا) لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ غَيْرُ تَابِعَةٍ لَهُ فَتُسْتَرَقُّ وَحَمْلُهَا جُزْءٌ مِنْهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ الْحَمْلُ فَيْئًا لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ فَلَا يُبْدَأُ بِالرِّقِّ كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ قُلْنَا الْمُسْلِمُ يُسْتَرَقُّ تَبَعًا كَوَلَدِ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا فَكَانَ هَذَا فِي حَقِّ التَّبَعِ بِمَنْزِلَةِ الْبَقَاءِ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الرِّقِّ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِعَدَمِ الْجُزْئِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَقَارَهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةٌ فَيَكُونُ فَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ لَهُ وَلَا يَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ كَالْمَنْقُولِ وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانِهَا إذْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَقِيلَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَكُونُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَدَ حَقِيقَةٌ تَثْبُتُ عِنْدَهُ فِي الْعَقَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغَصْبُ عِنْدَهُ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَبْدَهُ الْمُقَاتِلَ) لِأَنَّهُ لِمَا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِمْ وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ حَرْبِيٍّ أَوْ وَدِيعَةً فَيْءٌ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ غَصْبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَقَدْ صَارَتْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَيُوقِحُونَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ تَوْقِيحُ الدَّابَّةِ تَصْلِيبُ حَافِرِهَا بِالشَّحْمِ الْمُذَابِ إذَا حَفِيَ أَيْ رَقَّ مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ وَالرَّاءُ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَنُسْخَةِ الْإِمَامُ حَافِظُ الدَّيْنِ الْكَبِيرِ بِخَطِّ يَدِهِ بِالرَّاءِ مِنْ التَّرْقِيحِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمُصَنِّفِ قَالَ هَكَذَا قَرَأْنَا عَلَى الْمَشَايِخِ قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ رَقَحَ فُلَانٌ عَيْشَهُ تَرْقِيحًا إذَا أَصْلَحَهُ وَأَنْشَدَ:
يَتْرُكُ مَا رَقَحَ مِنْ عَيْشِهِ
يَعِيثُ فِيهِ هَمْجٌ هَامِجٌ
وَالْهَمَجُ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ لَا نِظَامَ لَهُمْ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالرَّاءُ أَيْ تَرْقِيحٌ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهُ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ فَالتَّرْقِيحُ أَعَمُّ مِنْ التَّوْقِيحِ. اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ رَدَّ الثَّمَنَ أَيْ الْمَغْنَمَ) أَيْ لِأَنَّهُ عِوَضُ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ) إنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِيَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ مُسْتَأْمِنٍ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِ الْحَرْبِ كَانَتْ أَمْوَالُهُ وَأَوْلَادُهُ كُلُّهَا فَيْئًا ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَهَرْنَا أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَمَا فِي يَدِهِ وَالثَّانِيَةُ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَأَسْلَمَ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَالِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَيْءٌ وَالثَّالِثَةُ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَنَا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَالِهِ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَالرَّابِعَةُ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ) يَعْنِي أَنَّ الْيَدَ فِي الْعَقَارِ إنَّمَا تَثْبُتُ حُكْمًا وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ بِدَارِ الْأَحْكَامِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِيَدِهِ قَبْلَ