للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، وَهُوَ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ انْفِسَاخِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْقُطْ وَلِهَذَا يَبْقَى فِي حَقِّ حُكْمِ الْآخِرَةِ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ صَحَّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمَا جَازَ لِلطَّالِبِ أَخْذُهُ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ، وَكَذَا يَبْقَى إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ، أَوْ تَرَكَ مَالًا وَلَهُ أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً يُقَالُ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَيْ أَدَاؤُهُ كَمَا يُقَالُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيُرَادُ بِهِ الْأَدَاءُ، وَالْأَدَاءُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمَيِّتِ فَسَقَطَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَصِحَّةُ الْكَفَالَةِ تَقْتَضِي قِيَامَ الدَّيْنِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِيَصِحَّ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ، وَهُوَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْمُطَالَبَةُ سَاقِطَةٌ عَنْ الْأَصِيلِ، فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا عَلَى الْكَفِيلِ تَبَعًا؛ إذْ لَا يُضَمُّ الْمَوْجُودُ إلَى الْمَعْدُومِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْحُكْمِ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ؛ إذْ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ وَبِخَلَفِهِ مِنْ الْمَالِ وَالْكَفِيلِ؛ فَفَاتَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ، فَلَا يَبْقَى، وَالتَّبَرُّعُ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبْرِئَةٌ فِي حَقِّ الْآخِرَةِ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي حَقِّ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَأَمْرٌ بَيْنَ الْكَفِيلِ، وَالْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا عَلَى الْأَصِيلِ وَمَا رَوَيَاهُ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ كَفِيلًا عَنْهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا مِنْهُ لَا كَفَالَةً فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ، فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَا يُقَالُ لَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ لَبَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَلَمَّا لَمْ يَبْرَأْ عُلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَيَجُوزُ ابْتِدَاءً الْكَفَالَةُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَفِيلُ خَلَفَ عَنْهُ فَلَا يَبْرَأُ، أَوْ نَقُولُ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الطَّالِبِ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَطْلُوبَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ وَلِرَبِّ الْمَالِ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ مَعْنَاهُ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ، ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ عَنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ ضَمِنَ مُضَارِبٌ لِرَبِّ الْمَالِ ثَمَنَ مَتَاعٍ بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ إلَى الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ بِجِهَةِ الْأَصَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، أَوْ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَبِعَزْلِهِ. وَلَوْ وَكَّلَ الْمُوَكِّلَ أَوْ رَبَّ الْمَالِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ عَزَلَهُ صَحَّ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَجَبَ لِلْوَكِيلِ، أَوْ لِلْمُضَارِبِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ إذْ حُقُوقُ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ، وَكَذَا الْمُضَارِبُ لَوْ وَكَّلَ رَبَّ الْمَالِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَهُ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَالْعَاقِدُ لِغَيْرِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا اخْتَصَّتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَوْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي مَا لِلْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَلَوْ حَلَفَ مَا لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَنِثَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْقَبْضِ.

فَإِذَا ضَمِنَ صَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ، وَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ، وَالْوَكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ حَيْثُ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ بِالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ حَتَّى لَوْ نَهَاهُمْ الْآمِرُ عَنْ قَبْضِ الْبَدَلِ صَحَّ نَهْيُهُ وَلِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ فِي الثَّمَنِ شَرْعًا وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ سَلَّمَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ قَصْدُهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ مَا لَمْ يَفْعَلْ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلشَّرِيكِ إذَا بِيعَ عَبْدٌ صَفْقَةً) أَيْ إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ رَجُلٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يُؤَدِّيهِ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْكَفِيلُ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا وَلِشَرِيكِهِ فِيهِ نَصِيبٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ إذْ الْقِسْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِفْرَازِ وَالْحِيَازَةِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَزًا فِي حَيِّزٍ عَلَى حِدَةٍ وَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحِسِّيَّ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا حِسِّيًّا، وَالدَّيْنُ حُكْمِيٌّ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ.

فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ قِسْمَتُهُ يَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ يُؤَدِّيهِ إلَى شَرِيكِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي بِنِصْفِ مَا أَدَّى لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَرْجِعُ أَيْضًا بِنِصْفِ الْبَاقِي إلَى أَنْ لَا يَبْقَى فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَيُؤَدِّيَ تَجْوِيزُهُ ابْتِدَاءً إلَى إبْطَالِهِ انْتِهَاءً. بِخِلَافِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ إلَى آخِرِهِ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ بِعَشَرَةٍ فَفَعَلَ ثُمَّ ضَمِنَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْآمِرِ قَالَ الضَّمَانُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ إذَا بَاعَهَا الرَّجُلُ وَضَمِنَهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَ الْمُوَكِّلَ أَوْ رَبَّ الْمَالِ إلَى آخِرِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ صَحِيحٌ يَعْنِي عَنْ قَوْلِهِ بَعْدُ وَكَذَا الْمُضَارِبُ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُمَا) أَيْ الْوَكِيلَ وَالْمُضَارِبَ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُمَا مَا نَصُّهُ تَعْلِيلٌ ثَانٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ) أَيْ كَالْمُودَعِ إذَا ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ لِلْمُودِعِ وَكَالْمُسْتَعِيرِ إذَا ضَمِنَ الْعَارِيَّةَ لِلْمُعِيرِ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ رَجُلٍ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلَيْنِ بَاعَا مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الضَّمَانُ بَاطِلٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّمَنَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ صَحَّ فِي نِصْفِ الثَّمَنِ مُطْلَقًا أَوْ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ، فَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ كَانَ صَاحِبُهُ شَرِيكًا وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، فَلَا يَتَمَيَّزُ نَصِيبُ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ الْأَنْصِبَاءِ وَالْإِفْرَازُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ نَصِيبُ صَاحِبِهِ يَقَعُ الضَّمَانُ عَنْ نَفْسِ الضَّامِنِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>