فَاحْتَرَقَ بِهِ شَيْءٌ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَلَوْ حَرَّكَتْ الرِّيحُ عَيْنَ الْجَمْرِ فَحَوَّلَتْهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ لِنَسْخِ الرِّيحِ فِعْلَهُ بِالتَّحْوِيلِ وَإِنْ حَرَّكَتْ الشَّرَارَ يَضْمَنُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ فَلَمْ يُنْسَخْ فِعْلُهُ فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ بَاقِيَةً، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُ وَإِنْ حَوَّلَتْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِعَاقِبَتِهِ، وَقَدْ أَفْضَى إلَيْهَا فَيَضْمَنُ كَمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ دَابَّةٍ جَالَتْ فِي رِبَاطِهَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَكُنْ مُسَلَّمًا إلَى رَبِّ الدَّارِ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْهُ فَانْقَلَبَ فِعْلُهُمْ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَيُحْرَمُونَ مِنْ الْإِرْثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الْمِيزَابِ أَوْ الْكَنِيفِ إلَى الطَّرِيقِ فَقَتَلَ إنْسَانًا بِسُقُوطِهِ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ؛ لِأَنَّهُ تَسْبِيبٌ وَهُنَا مُبَاشَرَةٌ وَالْقَتْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَسْتَنِدْ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عَلَى وُجُوهٍ، أَمَّا إنْ قَالَ لَهُمْ ابْنُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي فَإِنَّهُ مِلْكِي أَوْ لِي فِيهِ حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ مِنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَعْلَمُوا الْفَعَلَةُ، ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِ مَا قَالَ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَصَابَ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ وَيَرْجِعُونَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ بِأَمْرِ الْآمِرِ فَكَأَنَّهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الشَّاةُ بَعْدَ الذَّبْحِ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الذَّابِحَ وَيَرْجِعَ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فَكَذَا هَذَا، وَأَمَّا إنْ قَالَ لَهُمْ أَشْرِعُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِشْرَاعِ فِي الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى بَنَوْا، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا إنْ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَكَذَا فِي جَوَابِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ عَلِمُوا فَسَادَ أَمْرِهِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْبَحَ شَاةَ جَارٍ لَهُ وَأَعْلَمَهُ فَذَبَحَ، ثُمَّ ضَمِنَ الذَّابِحُ لِلْجَارِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُمْ لِيَبْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِنَاءُ دَارِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لَكِنْ غَيْرُ صَحِيحٍ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَاسِدٌ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ عَمَلًا بِهِمَا وَإِظْهَارُ شَبَهِ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَيْ الْقَتْلِ بِسُقُوطِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ كَالْقَتْلِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتْلٌ بِسَبَبٍ حَتَّى لَا تَجِبَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَهِيمَةً فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْهَالِكُ فِي الْبِئْرِ أَوْ بِسُقُوطِ الْجُرْصُنِ بَهِيمَةً يَكُونُ ضَمَانُهَا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ، وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ وَاِتِّخَاذُ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَسْبِيبٌ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ إنْسَانٌ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ شَيْئًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ)، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ وَضَعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَتَغَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى أَثَرُ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَوْضُوعًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَا اعْتِرَاضَ فِعْلٍ آخَرَ عَلَيْهِ فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الرِّيحُ مُتَحَرِّكَةً حِينَ وَضَعَ الْجَمْرَ عَلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ حَرَّكَتْ الرِّيحُ الْجَمْرَ عَنْ مَكَانِهِ فَأَحْرَقَ شَيْئًا يَضْمَنُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَقُولُ بِالضَّمَانِ إذَا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ عَنْ مَكَانِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ رِيحًا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَرَاحَ الْيَوْمُ يَرَاحُ إذَا اشْتَدَّ رِيحُهُ وَيَوْمٌ رَاحٍ شَدِيدُ الرِّيحِ فَإِذَا كَانَ طَيِّبَ الرِّيحِ قَالُوا رَيِّحٌ بِالتَّشْدِيدِ وَمَكَانٌ رَيِّحٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ) الْفَعَلَةَ جَمْعُ فَاعِلٍ كَالْقَتَلَةِ جَمْعُ قَاتِلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ) إذَا اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَحْفِرُونَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ أَوْ فِي فِنَائِهِ يُنْظَرُ حُكْمُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ فَرَاجِعْهُ اهـ وَسَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِنَاءَ حَانُوتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَسْبِيبٌ) وَالْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ يَثْبُتَانِ بِالْقَتْلِ حَقِيقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَرَقَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ) أَيْ لِأَنَّ الذَّابِحَ مُبَاشِرٌ وَالْآمِرَ مُسَبِّبٌ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ الْمَغْرُورُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ) أَيْ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً إلَخْ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ غَيْرَ الْآدَمِيِّ كَالدُّيُونِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَمَا كَانَ مِنْ جِنَايَةٍ بِذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا بَلَغَ الْقَدْرَ الَّذِي عَرَّفْتُك أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي مَالِهِ وَمَا كَانَ مِنْ جِنَايَةٍ عَلَى غَيْرِ بَنِي آدَمَ فَهُوَ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute