وَإِنَّمَا قَصَدَ إمَاطَةَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ حَتَّى لَوْ جَمَعَ الْكُنَاسَةَ فِي الطَّرِيقِ وَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِشَغْلِهِ الطَّرِيقَ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَتَلِفَتْ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى مَنْ نَحَّاهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ، وَكَذَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ رَشَّ أَوْ تَوَضَّأَ فَعَطِبَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ قَعَدَ فِيهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً أَوْ مَتَاعَهُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى فَيَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِهِ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي السِّكَّةِ مَا نَقَصَ بِالْحَفْرِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ لِشَرِيكِهِ مِلْكًا حَقِيقَةً فِي الدَّارِ حَتَّى يَبِيعَ نَصِيبَهُ وَيُقَسَّمَ بِخِلَافِ السِّكَّةِ قَالُوا هَذَا إذَا رَشَّ مَاءً كَثِيرًا بِحَيْثُ يُزْلَقُ فِيهِ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ الصَّبِّ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَاطَرَ بِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَنْ وَثَبَ فِي الْبِئْرِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَوَقَعَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ بِأَنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ أَعْمَى، وَقِيلَ يَضْمَنُ مَعَ الْعِلْمِ أَيْضًا إذَا رَشَّ جَمِيعَ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْمُرُورِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَشَبَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الطَّرِيقِ وَفِي أَخْذِهَا جَمِيعَ الطَّرِيقِ أَوْ بَعْضَهُ، وَلَوْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَضَمَانُ مَا عَطِبَ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ بَنَى فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ لِفَسَادِ الْأَمْرِ وَإِنْ حَفَرَ بَالُوعَةً فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ يَضْمَنُ مَا عَطِبَ فِيهَا لِوُجُودِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي جَمِيعِ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ وَفِنَاءُ دَارِهِ كَدَارِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مَا عَطِبَ بِمَا حَفَرَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ فِيهِ، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَوْ وَقَعَ رَجُلٌ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورِ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَمَاتَ فِيهِ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ غَمًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجُوعِ كَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ غَمًّا يَجِبُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ فِيهِ، أَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْبِئْرِ، وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ ضَامِنٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَنَاوَلَ الْخُبْزَ وَالْمَاءَ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ جَعَلَ بَالُوعَةً فِي طَرِيقٍ بِأَمْرِ سُلْطَانٍ أَوْ فِي مِلْكِهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِيهَا) أَيْ فِي الطَّرِيقِ (أَوْ قَنْطَرَةً بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّ حَفْرَ الْبَالُوعَةِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ وَالْقَنْطَرَةِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ وَإِنْ وُجِدَ التَّعَدِّي مِنْهُ فِيهِمَا لَكِنْ تَعَمُّدُهُ بِالْمُرُورِ عَلَيْهِمَا يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَى الْوَاضِعِ؛ لِأَنَّ الْوَاضِعَ مُسَبِّبٌ وَالْمَارُّ مُبَاشِرٌ فَصَارَ هُوَ صَاحِبَ عِلَّةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّسْبِيبُ مَعَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَمْثَالَهُ فِيمَا مَضَى وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَحْفِرُونَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأُجَرَاءِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا فِي غَيْرِ فِنَائِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ قَدْ صَحَّ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَنُقِلَ فِعْلُهُمْ إلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُمْ مَغْرُورُونَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ آخَرَ بِذَبْحِ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّاةِ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ وَهُنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَعَدٍّ فَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ فَإِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَلَا غُرُورَ مِنْ جِهَتِهِ لِعِلْمِهِمْ بِذَلِكَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ هَذَا فِنَائِي، وَلَيْسَ لِي حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ فَحَفَرُوا فَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يَغُرَّهُمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ)؛ لِأَنَّ هَذَا شَغْلٌ جَدِيدٌ حَصَلَ بِفِعْلِ الَّذِي نَحَّاهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَإِنْ قَالُوا هَذَا مُحْتَسِبٌ فِيمَا يَفْعَلُ حَيْثُ أَمَاطَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ قُلْنَا بَلَى، وَلَكِنْ أَخْطَأَ الْحِسْبَةَ حَيْثُ شَغَلَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْحِسْبَةُ التَّامَّةُ أَنْ يَطْرَحَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ مَمَرًّا أَوْ يَطْرَحَهُ فِي حُفْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ عَلَى وَجْهٍ تَمْتَلِئُ الْحَفِيرَةُ فَيَصِيرُ مُحْتَسِبًا مِنْ وَجْهَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute