للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ أَمْرًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَلِذَا يُنْقَلُ إلَيْهِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِلْعَامَّةِ ضَمِنُوا سَوَاءٌ قَالَ لَهُمْ إنَّهُ لِي أَوْ لَمْ يَقُلْ لِعِلْمِهِمْ بِفَسَادِ أَمْرِهِ قَبْلُ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ ضَمِنَ) سَوَاءٌ تَلِفَ بِالْوُقُوعِ أَوْ بِالْعَثْرَةِ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَتَاعِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ مُبَاحٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ إلَى الْهَدَفِ أَوْ إلَى الصَّيْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ رِدَاءٌ قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ لَا) أَيْ لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ لَا يَضْمَنُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ أَنَّ حَامِلَ الشَّيْءِ يَقْصِدُ حِفْظَهُ فَلَا يَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَاللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فَجُعِلَ فِي حَقِّهِ مُبَاحًا مُطْلَقًا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا لَبِسَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ مَا لَا يُلْبَسُ عَادَةً كَاللِّبَدِ وَالْجُوَالِقِ وَالدِّرْعِ مِنْ الْحَدِيدِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ ضَمِنَ

؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى لُبْسِهِ وَسُقُوطُ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِهَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَسْجِدٌ لِعَشِيرَةٍ فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قِنْدِيلًا أَوْ جَعَلَ فِيهِ بَوَارِي أَوْ حَصَاةً فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ ضَمِنَ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا الْفَاعِلُ فَصَارَ كَأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَكَمَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّ بَسْطَ الْحَصِيرِ وَتَعْلِيقَ الْقِنْدِيلِ مِنْ بَابِ التَّمْكِينِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَيَسْتَوِي فِيهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرُهُمْ وَلَهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَفَتْحِ بَابِهِ وَإِغْلَاقِهِ وَتَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ حَتَّى لَا يُعْتَدَّ بِمَنْ سَبَقَهُمْ فِي حَقِّ الْكَرَاهِيَةِ وَبَعْدَهُمْ يُكْرَهُ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ مُقَيَّدٌ بِهَا وَقَصْدُ الْقُرْبَةِ لَا يُنَافِي الْغَرَامَةَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ كَمَا إذَا تَفَرَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَكَمَا إذَا وَقَفَ عَلَى الطَّرِيقِ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى أَوْ لِدَفْعِ الظُّلْمِ فَعَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَغْرَمُ وَالطَّرِيقُ فِيهِ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَهْلِهِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَنْ ابْنِ سَلَّامٍ بَانِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْعِمَارَةِ وَالْقَوْمُ أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ، وَعَنْ الْإِسْكَافِ الْبَانِي أَحَقُّ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ وَالْقَوْمُ يَرَوْنَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ ضَمِنَ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَا)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا أَوْ مَرَّ فِيهِ أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَأَمَّا الْمُعْتَكِفُ فَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ كَالْفَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا أَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: ٣٦]، وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧]، فَإِذَا بُنِيَتْ لَهُمَا لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ فِيهِ مِنْ ضَرُورَاتِهَا فَيُبَاحُ لَهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا» وَتَعْلِيمُ الْفِقْهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ كَالذِّكْرِ فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ دَلَالَةً وَلَهُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَةِ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا ضَاقَ عَلَى الْمُصَلِّي كَانَ لَهُ أَنْ يُزْعِجَ الْقَاعِدَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْقَاعِدُ مُشْتَغِلًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ التَّدْرِيسِ أَوْ مُعْتَكِفًا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُزْعِجَ الْمُصَلِّيَ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي سَبَقَ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ بُنِيَ لَهَا وَاسْمُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ اسْمٌ لِمَوْضِعِ السُّجُودِ وَفِي الْعَادَةِ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ إلَّا لِلصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَكَانَ الْكَوْنُ فِيهِ حَقُّ الصَّلَاةِ مُبَاحًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِيَظْهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَبَيْنَ التَّبَعِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ قُرْبَةً مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي الطَّرِيقِ لِإِصْلَاحِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>