للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ فَلَا يُقَدَّرُ بِغَيْرِهِ إذْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نُقْصَانُ الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَمَا وَجَبَ إلَّا عِنْدَ نُقْصَانِ الْأَصْلِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ مَوْرُوثٌ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الطَّرَفِ لَمَا وُرِثَ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ، وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَمَا وُرِثَ فِي الْحُرِّ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ ضَمَانُ النَّفْسِ كَانَ دِيَتُهُ مُقَدَّرَةً بِنَفْسِ الْجَنِينِ لَا بِنَفْسِ غَيْرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغُرَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِدِيَةِ الْأُمِّ، بَلْ بِدِيَةِ نَفْسِ الْجَنِينِ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ دِيَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَكَذَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ تَجِبُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُقَدَّرًا مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْأُمِّ إنْ انْتَقَصَتْ بِذَلِكَ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْبَهَائِمِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي قَتْلِ الرَّقِيقِ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَلِهَذَا يُجَاوِزُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ عِنْدَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ اعْتِبَارًا بِالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِلصِّيَانَةِ وَهُمَا فِي الْحَاجَةِ إلَيْهَا سَوَاءٌ هَذَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا وَمِنْ غَيْرِ الْمَغْرُورِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ الْغُرَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَرَّرَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ فَأَلْقَتْهُ فَمَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ)؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالضَّرْبِ وَالضَّرْبُ صَادَفَهُ وَهُوَ رَقِيقٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ وَهُوَ حَيٌّ فَاعْتَبَرْنَا حَالَتَيْ السَّبَبِ وَالتَّلَفِ فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ السَّبَبِ وَهُوَ الضَّرْبُ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ حِينَئِذٍ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ التَّلَفِ كَأَنَّهُ ضَرَبَهُ فِي الْحَالِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَا نَقَصَ بِضَرْبِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْعِتْقُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ أَوْ جَرَحَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، ثُمَّ مَاتَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ وَالْجَرْحِ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لَكِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحَالَتَانِ فَجُعِلَ كَأَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالضَّرْبِ الْأُمُّ وَأَوْجَبَ الْقِيمَةَ دُونَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَمَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَلِيُّ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ السَّهْمُ فَمَاتَ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحَلِّ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ بِدُونِ الِاتِّصَالِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ فِي الْحَالِ وَالْعِتْقُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَمَعَ هَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَمْلُوكُ لَهُ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ أَيْ الدِّيَةَ، وَقَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّرْبَ وَقَعَ عَلَى الْأُمِّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ جِنَايَةً فِي حَقِّ الْجَنِينِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا وَلِذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ سِرَايَتُهُ بِخِلَافِ مَنْ جَرَحَ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَمَّتْ مِنْهُ لَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَنِينِ مَقْصُودًا إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَأَشْبَهَ الرَّمْيَ الَّذِي تَمَّ مِنْ الرَّامِي وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْإِصَابَةِ، وَقِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَتُهُ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ مَضْرُوبًا إلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَجِبُ احْتِيَاطًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مُتَنَاقِضٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُهُ جُزْءًا حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْهِ عُشْرَ قِيمَةِ الْأُمِّ وَهُنَا اعْتَبَرَهُ نَفْسًا حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَنَحْنُ اعْتَبَرْنَاهُ جُزْءًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُلُّ الْبَدَلِ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْأَعْضَاءَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا إذَا تَبَرَّعَ بِهَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى اعْتِبَارًا بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الذَّكَرِ وَعُشْرُ دِيَةِ الْأُنْثَى إلَّا أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ وَالْقِيمَةُ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ.

فَتَتَفَاوَتُ غُرَّةُ جَنِينِ الْأَمَةِ بِتَفَاوُتِ الْقِيمَةِ اهـ وَقَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ الْمُسَمَّى بِالْغُرَرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ حَيًّا وَعُشْرُهَا أُنْثَى؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ لَمَّا وَرَدَ فِي جَنِينٍ حُرٍّ بِعُشْرِ دِيَةِ حُرَّةٍ وَلَمْ يَرِدْ فِي جَنِينِ رَقِيقٍ وَجَبَ التَّقْدِيرُ فِيهِ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَمْلُوكِ كَالدِّيَةِ فَفَرَّقُوا فِيهِ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى بِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَفْيًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ غُرَّتَيْهِمَا إذْ فِي الْعَادَةِ قِيمَةُ الذَّكَرِ أَزْيَدُ مِنْ قِيمَتِهَا بِكَثِيرٍ، وَإِذَا اشْتَبَهَ ذُكُورَتُهُ وَأُنُوثَتُهُ أُخِذَ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ حَالُ الْوِلَادَةِ وَتُصْرَفُ إلَى سَيِّدِهِ اهـ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَخْ) وَجَنِينُ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ سَوَاءٌ وَبِهِ صُرِّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ) أَيْ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرَحَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ). قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقِيمَةَ تَكُونُ لِلْمَوْلَى أَوْ تَكُونُ مِيرَاثًا مِنْ الْمَضْرُوبِ.

فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِيرَاثًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا أَعْتَقَهُ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ نَفْسِهِ فَصَارَ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقِيمَةَ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِيمَةُ صَارَ كَأَنَّ الرَّجُلَ قَتَلَ مَمْلُوكَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ اسْتَنَدَ إلَى الضَّرْبِ وَوَقْتَ الضَّرْبِ كَانَ مَمْلُوكًا كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ: فَصَارَ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ كَاكِيٌّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى الضَّارِبِ فَلِأَنَّ الْقَتْلَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِجَوَازِ أَنَّ الْحَيَاةَ لَمْ تُخْلَقْ فِيهِ وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>