للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَدَلُ النَّفْسِ وَتَجِبُ فِي سَنَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُورَثُ وَبَدَلُ الْعُضْوِ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْعُضْوِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ»؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَدَلَ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ بَدَلُ الْعُضْوِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِالْأُمِّ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْأَوَّلِ فِي حَقِّ التَّوْرِيثِ وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأُمِّ نُقْصَانٌ وَبِالثَّانِي فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ إلَى سَنَةٍ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْعُضْوِ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدِّيَةِ حَيْثُ يَجِبُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ وَيَسْتَوِي فِي الْجَنِينِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْإِحْيَاءِ إنَّمَا ثَبَتَ لِتَفَاوُتِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الذَّكَرَ يَمْلِكُ الْمَالَ وَالنِّكَاحَ وَالْأُنْثَى لَا تَمْلِكُ سِوَى الْمَالِ فَكَانَ الذَّكَرُ أَزْيَدَ فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْجَنِينِ مَعْدُومٌ إذْ لَا يَمْلِكُ وَلَا يَسْتَحِقُّ سِوَى الْإِعْتَاقَ وَتَوَابِعَهُ، وَالنَّسَبُ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ فَيَسْتَوِي الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهَا؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يُعْرَفُ الذَّكَرُ مِنْ الْأُنْثَى فَيَتَقَدَّرُ الْكُلُّ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ تَيْسِيرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ فَدِيَةٌ) أَيْ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ فَدِيَةٌ وَغُرَّةٌ) لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُمَا، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَى فَأَصَابَ شَخْصًا وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ إنْ كَانَا خَطَأً وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَتْ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَدِيَةٌ فَقَطْ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الْغُرَّةُ مَعَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ مَاتَ بِضَرْبِهِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ بِالْحَيَاةِ وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ بِحَيَاتِهَا وَتَنَفُّسَهُ بِنَفَسِهَا فَيَتَحَقَّقُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ إذْ الِاحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا بَعْدَمَا مَاتَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ دِيَةُ الْأُمِّ وَدِيَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا وَمَاتَا

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا يَجِبُ فِيهِ يُورَثُ عَنْهُ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ فَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ ابْنَهُ مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ غُرَّةٌ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا) وَإِنَّمَا يُورَثُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْغُرَّةُ بَدَلُهُ فَيَرِثُهَا وَرَثَتُهُ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ مُبَاشَرَةً ظُلْمًا وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ لَوْ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أُنْثَى)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ وَضَمَانُ الْأَجْزَاءِ يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْغُرَّةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ كَيْفَ أُغَرَّمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ»

، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اسْتَبَّتَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينًا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ» قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إذَا ضُرِبَ بَطْنُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ أُخِذَ مِنْهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَنَمِ أُخِذَ مِنْهُ مِائَةٌ مِنْ الشَّاءِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي مُوَطَّئِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي فِي الْجَنِينِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ خَمْسُمِائَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى فِي إيجَابِ الْغُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِاسْمِ الْجَنِينِ مُطْلَقًا وَمُطْلَقُهُ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَنَا أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا وَجَبَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جُزْءًا فَإِنَّ ضَمَانَ الْجُزْءِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ النُّقْصَانِ فِي الْأَصْلِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَإِذَا كَانَ بَدَلَ نَفْسِهِ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ وَالْمَقْتُولُ هُوَ الْجَنِينُ فَكَانَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ أُمِّهِ غَيْرَ أَنَّا أَوْجَبْنَا عُشْرَ الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ ثَمَّ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ عُشْرُ الدِّيَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَالْقِيمَةُ فِي الْمَمَالِيكِ كَالدِّيَةِ فِي الْأَحْرَارِ.

فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الدِّيَةِ بِالْقِيمَةِ فَيُؤَدِّي إلَى هَذَا ضَرُورَةً فَإِنْ قِيلَ فِيهِ تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ عُشْرَ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ أُنْثَى أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ ذَكَرًا وَفِي الدِّيَاتِ يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى وَلَا يُفَضَّلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ قُلْنَا هَذَا تَسْوِيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَالتَّسْوِيَةُ جَائِزَةٌ بَيْنَنَا بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ هُنَا كَالدِّيَةِ وَدِيَةُ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الذَّكَرِ فَصَارَ الْعُشْرُ مِنْ هَذَا مِثْلُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ الذَّكَرِ وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَفَاوُتِ الْحَالِ بِتَفَاوُتِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهَذَا يَكُونُ فِي الْمُنْفَصِلِ لَا فِي الْأَجِنَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكِيَّةٌ فِي الْجَنِينِ وَإِنَّمَا يَجِبُ ضَمَانُ الْجَنِينِ بِاعْتِبَارِ قَطْعِ النُّشُوِّ وَالْأُنْثَى فِي مَعْنَى النُّشُوِّ تُسَاوِي الذَّكَرَ وَرُبَّمَا تَكُونُ الْأُنْثَى أَسْرَعَ نُشُوًّا كَمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ.

فَلِهَذَا جَوَّزْنَا تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ لَوْ تُصُوِّرَ اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي جَنِينِ الْمَمْلُوكِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَهُمَا فِي الْمِقْدَارِ سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ لِقِيَامِ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الدِّيَةِ فَحِينَئِذٍ لَا مُعْتَبَرَ بِالتَّفَاوُتِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابَةِ الْمُسَمَّى بِمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ إنْ كَانَ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>