غَيْرَهُ إذَا شُرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامِهِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي الْخِدْمَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ بِلَا عَقْدٍ لِتَعَيُّنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُهُ الْإِيفَاءُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَا بَقِيَ فَلَهُ أَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَ عِيَالُهُ مَعْلُومِينَ حَتَّى يَكُونَ الْأَجْرُ مُقَابَلًا بِجُمْلَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَعْلُومِينَ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ فِي الْمِصْرِ لِيَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ فَذَهَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْحِنْطَةَ فَعَادَ إنْ كَانَ قَالَ اسْتَأْجَرْتُ مِنْك مِنْ الْمِصْرِ حَتَّى أَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ يَجِبُ نِصْفُ الْأَجْرِ بِالذَّهَابِ وَإِنْ قَالَ اسْتَأْجَرْت مِنْك حَتَّى أَحْمِلَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةُ كَانَتْ بِشَرْطِ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ وَفِي الْأُولَى كَانَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْئَيْنِ عَلَى الذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى هَاهُنَا وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ فَاسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ بِحِصَّتِهِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلَهُ فِي السَّفِينَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا أَجْرَ لِحَامِلِ الْكِتَابِ لِلْجَوَابِ وَلَا لِحَامِلِ الطَّعَامِ إنْ رَدَّهُ لِلْمَوْتِ) مَعْنَاهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِطَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِمَكَّةَ مَثَلًا أَوْ لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَيْهِ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا مَيِّتًا فَرَدَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ الْأَجْرُ فِي الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بِمُقَابَلَةِ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَكَّةَ وَقَدْ وَفَّى بِالْمَشْرُوطِ فَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ هُوَ بِرَدِّهِ جَانٍ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِهِ فِي الْأَجْرِ بِخِلَافِ نَقْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ لَا يُقَابِلُ الْحَمْلَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ الْأَجْرُ لِلذَّهَابِ فِي نَقْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ دُونَ حَمْلِ الْكِتَابِ لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ مُقَابَلٌ بِالْحَمْلِ دُونَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِ الطَّعَامِ مُؤْنَةً قُلْنَا الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالنَّقْلِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ وَضْعُ الطَّعَامِ هُنَاكَ وَعِلْمُ مَا فِي الْكِتَابِ فَإِذَا رَدَّهُ فَقَدْ نَقَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَمَا إذَا نَقَضَ الْخَيَّاطُ الْخِيَاطَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَلَوْ وَجَدَهُ غَائِبًا فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ هُنَاكَ لِيُوصَلَ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا لِيُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ إلَى فُلَانٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَثَلًا عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِنَفْسِك أَوْ بِيَدِك أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فَهُوَ مُطْلَقٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَالْمُتَعَارَفِ فِيمَا لَمْ يُشْتَرَطْ وَالصُّنَّاعُ يَعْمَلُونَ فِي الْعَادَاتِ بِأَنْفُسِهِمْ وَبِأُجَرَائِهِمْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ وَأَجِيرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُوفِيَهُ بِاسْتِعَانَةِ غَيْرِهِ كَمَا فِي إيفَاءِ الدَّيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا أَجْرَ لِحَامِلِ الْكِتَابِ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَى الْبَصْرَةِ إلَى فُلَانٍ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا قَدْ مَاتَ فَرَدَّ الْكِتَابَ قَالَ لَا أَجْرَ لَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ فِي الْحَصْرِ وَالْمُخْتَلَفْ ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ ثَمَّةَ وَلَمْ يَرُدَّ إلَى الْمُرْسِلِ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الذَّهَابِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ إلَى الْبَصْرَةِ وَلَمْ يَحْمِلْ الْكِتَابَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَأَجْمَعُوا
أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا لِيُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ وَلَمْ يَجِدْ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ. إلَى هُنَا لَفْظُ قَاضِيخَانْ وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا انْتَقَضَ بَطَلَ الْأَجْرُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِإِيصَالِ الْكِتَابِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَمْ مُقَابَلٌ بِحَمْلِ الْكِتَابِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ بِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ مُقَابِلٌ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ بِالْكِتَابِ لَا بِحَمْلِ الْكِتَابِ وَجَوَابِهِ إلَى الْكَاتِبِ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُ يَسِيرٌ لَا يُقَابِلُ بِهِ الْبَدَلَ غَالِبًا لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ، ثُمَّ قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَقَعَ فِي الذَّهَابِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَوَجَبَ أَجْرُ الذَّهَابِ وَلَمْ يَقَعْ قَطْعُهَا فِي الْعَوْدِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ يَجِبْ أَجْرُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْبَعْضِ فَوَجَبَ الْأَجْرُ بِحِسَابِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلِ طَعَامٍ إلَى الْبَصْرَةِ فَحَمَلَ بَعْضَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى حَمْلِ كِتَابٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ هُوَ إيصَالُ الْكِتَابِ إلَيْهِ لَا حَمْلُهُ وَإِنَّمَا الْحَمْلُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَالْأَجْرُ يُقَابَلُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقْدِ دُونَ الْوَسِيلَةِ فَإِذَا رَدَّ الْكِتَابَ وَلَمْ يُوصِلْهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَقَدْ أَبْطَلَ عَمَلَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَسْتَحِقُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا فَخَاطَهُ، ثُمَّ فَتَّقَهُ لَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ عَمَلَهُ فَكَذَا هُنَا صَارَ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ طَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَحَمَلَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى بَغْدَادَ فَلَا أَجْرَ لَهُ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ لَهُ حَيًّا وَلَمْ يُوصِلْهُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ الْكِتَابَ ثَمَّةَ حَيْثُ يَجِبُ لَهُ أَجْرُ الذَّهَابِ وَمَا إذَا لَمْ يَنْقُضْ عَمَلَهُ بَلْ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَإِمْكَانِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا لِحَامِلِ الطَّعَامِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةُ حَمْلِ الطَّعَامِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا إلَخْ) قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute