للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا فَسَدَ بِالْمَطَرِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ مَا أَقَامَهُ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الْأَجْرُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّشْرِيجِ هَذَا إذَا لَبَّنَ فِي أَرْضِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِالْإِقَامَةِ أَوْ بِالتَّشْرِيجِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَإِنْ لَبَّنَ الْأَجِيرُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُسْلِمَهُ وَذَلِكَ بِالْعَدِّ بَعْدَ الْإِقَامَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَدِّ بَعْدَ التَّشْرِيجِ وَقَدْ ذَكَرْنَا نَظِيرَهُ فِي الْخُبْزِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ يَحْبِسُهَا لِلْأَجْرِ) أَيْ يَحْبِسُ الْعَيْنَ لِلْأَجْرِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَصَّارَ إذَا ظَهَرَ عَمَلُهُ بِاسْتِعْمَالِ النَّشَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ إلَّا إزَالَةُ الدَّرَنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مُسْتَتِرًا وَقَدْ ظَهَرَ بِفِعْلِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ هَالِكًا بِالِاسْتِتَارِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِيهِ بِالْإِظْهَارِ وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ فِيمَا لِعَمَلِهِ أَثَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْلَمًا إلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَسَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِمِلْكِهِ بِإِذْنِهِ فَصَارَ كَالْقَبْضِ بِيَدِهِ

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ شَخْصًا بِأَنْ يَزْرَعَ لَهُ أَرْضَهُ حِنْطَةً مِنْ عِنْدِهِ قَرْضًا فَزَرَعَهَا الْمَأْمُورُ صَارَ قَابِضًا بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا صَبَغَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ قُلْنَا اتِّصَالُ الْعَمَلِ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهَذَا الِاتِّصَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَسْلِيمٌ بَلْ رِضَاهُ فِي تَحْقِيقِ عَمَلِ الصَّبْغِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَثَرِ فِي الْمَحَلِّ إذْ لَا وُجُودَ لِلْعَمَلِ إلَّا بِهِ فَكَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَالرِّضَا لَا يَثْبُتُ إلَّا مَعَ الِاضْطِرَارِ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ إذَا بَنَى السُّفْلَ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا رَاضِيًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كَصَبْغِهِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِيهِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ لِقِيَامِ يَدِهِ عَلَى الْمَنْزِلِ وَيُمْكِنُ الْعَامِلُ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْهُ بِأَنْ يَعْمَلَ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِالتَّسْلِيمِ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ، نَظِيرُهُ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِرِضَاهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ رِضَاهُ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَنَظِيرُ هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يُوفِيَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي نَقْدِهِ مِنْ عِنْدِهِ

وَعِنْدَ زُفَرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ يَدُ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ فِي يَدِهِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ قُلْنَا إنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي هَذَا الْقَبْضِ فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ عَلَى يَدِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَبَسَ فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ وَلَا أَجْرَ) لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا بِالْأُجْرَةِ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ بِهِ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِهِ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْبَدَلِ كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَبْسِ عِنْدَهُمَا فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْحَبْسِ، ثُمَّ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْعَيْنِ غَيْرَ مَعْمُولَةٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ

وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا مَعْمُولَةً وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ وَهُوَ الْعَمَلُ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِتَسْلِيمِ بَدَلِهِ إلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ لَا يَحْبِسُ لِلْأَجْرِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ عَرْضٌ يَفْنَى وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ وَلَا لَهُ أَثَرٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ بِخِلَافِ رَادِّ الْآبِقِ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ عَلَى الْجُعْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ فَأَحْيَاهُ بِالرَّدِّ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَسْلِ الثَّوْبِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْقِصَارَةِ بِلَا نَشًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ لَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ صَارَتْ مُنْتَفَعًا بِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ بِالطَّارِئِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسَادِ كَمَا بَعْدَ التَّشْرِيجِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي مِنْ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ وَالصَّائِغِ وَالنَّجَّارِ وَالْإِسْكَافِ وَسَائِرِ الصُّنَّاعِ أَنْ يَحْبِسُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا لَهُمْ الْعَمَلُ فِيهِ أَوْ مِمَّا عَمِلُوا حَتَّى يَقْبِضُوا الْأَجْرَ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَبْضُ ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعَ الْأَجْرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ يَحْبِسُهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَأَمَّا الْحَمَّالُ وَالْجَمَّالُ وَالْمَلَّاحُ يُسْتَأْجَرُ عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ فَلَيْسَ لَهُمْ حَبْسُ مَا حَمَلُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ لَهُمْ فِيهِ قَائِمٌ وَلَا تَأْثِيرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ حَبَسَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ فِي يَدِهِ فَهُوَ غَاصِبٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْحَمَّالِ يَطْلُبُ أُجْرَةً بَعْدَ مَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ، وَأَمَّا الْقَصَّارُ إذَا قَصَّرَ الثَّوْبَ هَلْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ؟ قَالُوا إنْ ظَهَرَ أَثَرُ عَمَلِهِ فِي الثَّوْبِ بِاسْتِعْمَالِ النَّشَاسْتَجَهْ أَوْ بِالدَّقِّ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ إلَّا الْغَسْلَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مَوْجُودًا فِي الثَّوْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الثَّوْبِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ مَسْتُورًا، وَقَدْ ظَهَرَ بِعَمَلِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا إذَا كَانَ عَمَلُهُ فِي دُكَّانِهِ أَمَّا إذَا خَاطَ الْخَيَّاطُ أَوْ صَبَغَ الصَّبَّاغُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَذَا فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ) يُرْوَى قَوْلُهُ كَالْحَمَّالِ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ جَمِيعًا وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُمَا الْكَرْخِيُّ جَمِيعًا فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَدْ مَرَّ آنِفًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُرْوَى هُنَا بِالْحَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الظَّهْرِ وَعَلَى الدَّابَّةِ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ لَفْظِ الْجَمَّالِ بِالْجِيمِ فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ إنْ شُرِطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ) وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ حَمِيدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْخَيَّاطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>