للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ وَسُلِّمَتْ الدَّابَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ كَذَا هَذَا، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ نَوْعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ إنْ بَيَّنَ مَا يُزْرَعُ فِيهَا أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ مَقْصُودَةٌ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِئْجَارِهَا لِلزِّرَاعَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا عَمَلًا غَيْرَ أَنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ فَمِنْهُ مَا يُفْسِدُ الْأَرْضَ وَمِنْهُ مَا يُصْلِحُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ كَيْ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا مَا شَاءَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ، وَلَوْ زَرَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً فِي الْقِيَاسِ كَمَا إذْ اشْتَرَى بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ وَالْفَسَادُ كَانَ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فِي وَقْتِ الزِّرَاعَةِ كَفَى وَصَارَ كَأَنَّ الْجَهَالَةَ لَمْ تَكُنْ فَعَادَتْ صَحِيحَةً، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْ اللَّابِسَ، ثُمَّ أَلْبَسَ شَخْصًا عَادَتْ صَحِيحَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ دُونَ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْجَحْشِ وَالْأَرْضِ السَّبَخَةِ فَلَا يَدْخُلَانِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَيْ جَازَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَلِغَرْسِ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ تُقْصَدُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَادَةً فَتَصِحُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَلَعَهُمَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) أَيْ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَسَلَّمَ الْأَرْضَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَارِغَةً؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا غَيْرَ مَشْغُولَةٍ بِبِنَائِهِ وَغَرْسِهِ وَذَلِكَ بِقَلْعِهِمَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ لَهُمَا حَالَةٌ مُنْتَظَرَةٌ يَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَفِي تَرْكِهِمَا عَلَى الدَّوَامِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ يَتَضَرَّرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَيَتَعَيَّنُ الْقَلْعُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ حَيْثُ يُتْرَكُ الزَّرْعَ عَلَى حَالِهِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُدَّةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ حَيْثُ يُتْرَكُ بِالْمُسَمَّى عَلَى حَالِهِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ وَإِنْ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا وَجَبَ تَرْكُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ تَرْكُهُ بِالْمُسَمَّى وَإِبْقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ أَوْلَى إذْ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ الْعَقْدِ وَإِعَادَتِهِ عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ نِهَايَةٌ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ ظُلْمًا وَالظُّلْمُ يَجِبُ إعْدَامُهُ لَا تَقْرِيرُهُ وَالْمُسْتَعِيرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ يَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا وَرِعَايَةً لِحَقِّهِمَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقْلَعَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ) أَيْ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْتهَا لِلْحِدَادَةِ وَالْآجِرُ يَقُولُ لِلسُّكْنَى دُونَ الْحِدَادَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ إلَخْ) أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ جَازَ الْعَقْدُ بِلَا بَيَانِ النَّوْعِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَإِذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي جَمِيعِهِ مَعْلُومَةٌ لَمَّا جَازَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَصَحَّ دَخَلَ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ فَيَدْخُلَانِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْتِفَاعُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ أَوْ الْبَيْتَ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالشُّرْبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ يَقُولُ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ هُوَ تَمْلِكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهَا، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ السَّبْخَةِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهُمَا لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْحُقُوقِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي بَلَدِنَا فَالشُّرْبُ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَمَوَّلُونَ بِالْمَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا إلَّا بِالشَّرْطِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَعْمَلُ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَا بَدَا لَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَرَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ) يَعْنِي نَوْعًا مِنْ الْأَنْوَاعِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى أَجْرَ الْمِثْلِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا) أَيْ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا بِالِاسْتِعْمَالِ لِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْفَسَادُ كَانَ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ كَانَ الِارْتِفَاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالِارْتِفَاعِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَيَعُودُ جَائِزًا، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَلَمْ يُعَيِّنْ اللَّابِسَ لَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ فَإِنْ عَيَّنَ اللَّابِسَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَامِعِ قَاضِيخَانْ. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْلَعَ إلَخْ) وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَقِّ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ اتَّحَدَ الْجَوَابُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَهِيَ الْإِجَارَةُ وَالْعَارِيَّةَ وَالْغَصْبُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَلْعُ وَالتَّسْلِيمُ فَارِغًا وَفِي الزَّرْعِ اخْتَلَفَ الْجَوَابُ، فَفِي الْغَصْبِ يَلْزَمُ الْقَلْعُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الزِّرَاعَةِ وَفِي الْإِجَارَةِ يُتْرَكُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ اسْتِحْسَانًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَفِي الْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةِ وَغَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ لَا يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا إلَّا أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الزِّرَاعَةِ بِجِهَةِ الْعَارِيَّةُ وَلِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُتْرَكُ، قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ. الْكُلُّ مِنْ الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>