للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ كَانَ يَسْتَقِيمُ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ يُبِيحُ مَا غَابَ عَنْهُ وَبَاتَ لَيَالِيَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنْ وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِك فَكُلْ إنْ شِئْت، وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ «إذَا وَجَدْت سَهْمَك وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ وَعَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ فَكُلْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَدِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْمِي فِي الصَّيْدِ فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ قَالَ «إذَا عَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْأَمَارَةُ فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَا أَمَارَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَحُكْمُ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَالْبَازِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالرَّمْيِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ حَرُمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: ٣] وَلِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَكُلْ وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ مَوْتَهُ بِغَيْرِهِ إذْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُهْلِكَةٌ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ فِي الْمُحْتَمَلِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ

وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً حَلَّ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عِنْد التَّعَارُضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ آجُرَّةٍ مَوْضُوعَةٍ فَاسْتَقَرَّ وَلَمْ يَتَرَدَّ حَلَّ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَوُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجُرَّةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ آجُرَّةٍ حَيْثُ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ بِحَدِّهِ أَوْ بِتَرَدِّيهِ، وَهُوَ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْفَلَقَ رَأْسُهُ أَوْ انْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا خِلَافُ إطْلَاقِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ فِيمَا عَدَا هَذَا الْمُفَسَّرِ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَوْتِ بِانْفِلَاقِ الرَّأْسِ وَانْشِقَاقِ الْبَطْنِ ظَاهِرٌ وَبِالرَّمْيِ مَوْهُومٌ مُتَرَدِّدٌ فَالظَّاهِرُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْمَوْهُومِ فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْشَقَّ وَلَمْ يَنْفَلِقْ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالرَّمْيِ هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَحْرُمُ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْأَصْلِ عَلَيْهِ

وَحَمَلَ السَّرَخْسِيُّ مَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ لِذَلِكَ وَحَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الصَّخْرَةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَحَلَّ لِذَلِكَ فَكِلَا التَّأْوِيلَيْنِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْمِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِالرَّمْيِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِغَيْرِهِ وَفِي لَفْظِ الْمُنْتَقَى إشَارَةٌ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ أَيْ غَيْرِ الرَّمْيِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى فَلَا يُبَالَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْمِيُّ مَائِيًّا فَإِنْ لَمْ تَنْغَمِسْ الْجِرَاحَةُ فِي الْمَاءِ أُكِلَ، وَإِنْ انْغَمَسَتْ لَا يُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِهِ دُونَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ تَشَرُّبَ الْجُرْحِ الْمَاءَ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الْأَلَمِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَصَابَهُ السَّهْمُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ أَوْ الْبُنْدُقَةُ حَرُمَ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ «قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ بِالْمِعْرَاضِ فَأُصِيبُ فَقَالَ إذَا رَمَيْت بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ إنَّهَا لَا تَصِيدُ وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» رَوَاهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ) أَيْ مَوْتُهُ بِجِرَاحَةٍ سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبَازِي) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالرَّمْيِ يَعْنِي إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِيَ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَجَرَحَهُ فَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ حَلَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ أَوْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى لَمْ يَحِلَّ اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَقَعُ فِي الْمَاءِ بِخِلَافِ السُّقُوطِ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ) وَالْمِعْرَاضُ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ وَلَا نَصْلٍ يَمْضِي عَرْضًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَخَزَقَ) بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالرَّاءِ تَصْحِيفٌ. اهـ. مُغْرِبٌ يُقَالُ خَزَقَ الْمِعْرَاضُ بِالزَّايِ أَيْ نَفَذَ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي الثَّوْبِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>