الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَمْرٍ فَبِآخِرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْمَالِ لِذَهَابِ جُزْءٍ مِنْهُ وَهُوَ الرُّطُوبَةُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَفَاوِتَانِ فِي الْحَالِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالطَّحْنِ إذْ الطَّحْنُ لَا يَزِيدُ فِيهِ شَيْئًا وَمَا رَوَيَاهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ السَّائِلَ كَانَ وَصِيًّا فِي مَالِ يَتِيمٍ أَوْ وَلِيًّا لِصَغِيرٍ فَلَمْ يَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا التَّصَرُّفِ نَظَرًا لَهُ إذْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِنْ مَالِ الرِّبَا لِمَا ذَكَرْنَا وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ بِلَفْظِ التَّمْرِ هُنَاكَ يَتَنَاوَلُ الرُّطَبَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ هُنَا فَبَقِيَ مُحَرَّمًا حَتَّى يَعْتَدِلَ وَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ فَلِمَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّ اسْمَ التَّمْرِ يَتَنَاوَلُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَذَلِكَ وَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَمْرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْكُفُرَّى حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْرٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ التَّمْرِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ مَا تَنْعَقِدُ صُورَتُهُ لَا قَبْلَهُ وَهُوَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَنْشَقُّ عَنْهُ النَّخْلُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا فِي جَوْفِهِ وَلِتَفَاوُتِهِ فَاحِشًا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَلَوْ بَاعَ حِنْطَةً رَطْبَةً أَوْ مَبْلُولَةً بِحِنْطَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ مَبْلُولَةٍ أَوْ يَابِسَةٍ جَازَ الْبَيْعُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ تَمْرًا مُنَقَّعًا أَوْ زَبِيبًا مُنَقَّعًا بِتَمْرٍ مِثْلِهِ أَوْ بِزَبِيبٍ مِثْلِهِ أَوْ بِالْيَابِسِ مِنْهُمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ بَعْدَ الْيُبْسِ وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَبَيْنَ بَيْعِ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَمْرٍ فَبِآخِرِهِ) وَهَذَا التَّرْدِيدُ حَسَنٌ فِي الْمُنَاظَرَةِ لِدَفْعِ شَغَبِ الْخَصْمِ، لَكِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ قِسْمٌ آخَرَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ الْوَصِيَّ اهـ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ مَعَ التَّسَاوِي كَيْلًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ يَعْنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَعْنِي كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عِنْدَهُ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاضَلَا كَمَا قَالَا فِي الرُّطَبِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ قَبْلَ هَذَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ) كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا كَيْلًا مُتَمَاثِلًا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ التَّقْرِيبِ: وَأَمَّا الْعِنَبُ بِالْعِنَبِ فَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ كَمَا فِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَأَمَّا الْبُسْرُ بِالرُّطَبِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَقَالَا: لَا يَجُوزُ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلِمَا رَوَيْنَا أَنَّ اسْمَ التَّمْرِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ اسْمَ التَّمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكُفْرِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْكُفْرِيُّ مَقْصُورٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وِعَاءُ الطَّلْعِ وَيُسَمَّى كَافُورًا وَكُفَرَّى كَذَا قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا فِي جَوْفِهِ اهـ ذَكَرَ الْبَدْرُ بْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْخُلَاصَةِ فِي الْكُفْرِيِّ وَجْهَيْنِ فَتْحَ الْفَاءِ وَضَمَّهَا وَتَبِعَهُ الْمُرَادِيُّ وَحَكَى الْبَصْرِيُّ تَثْلِيثَ الْفَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْرٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ التَّمْرِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا الِاسْمُ أَعْنِي التَّمْرَ لَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَنْعَقِدُ صُورَتُهُ لَا قَبْلَهُ وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ فَكَانَ غَيْرَهُ فَأَجَابَ بِالْمَنْعِ بَلْ يَحْنَثُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْمَسْأَلَةُ مَسْطُورَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمَذْهَبِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا ادَّعَى أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا وَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى هَذَا إذْ يَكْفِيهِ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَكَلَامُنَا فِيهِ لُغَةٌ وَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مُطَالَبُونَ بِتَصْحِيحِ أَنَّ اسْمَ التَّمْرِ يَلْزَمُ الْخَارِجَ مِنْ حِينِ يَنْعَقِدُ إلَى أَنْ يَطِيبَ ثُمَّ يَجِفَّ مِنْ اللُّغَةِ، وَلَا يُنْكَرُ صِحَّةُ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَجَازِ الْأَوَّلِ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ مِنْ أَوَّلِ مَا تَنْعَقِدُ صُورَتُهُ لَا قَبْلَهُ) وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ مَعَ أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ ذَكَرَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكَلَ طَلْعًا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَلَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ.
فَإِنْ قُلْت: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّمْرَ لَيْسَ بِاسْمٍ لِتَمْرِ النَّخْلِ مِنْ حِينِ مَا يَبْدُو صَلَاحُهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ قُلْت: مَنَعَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَالَ: بَلْ يَحْنَثُ عِنْدَنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ: وَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ الْخِلَافِيِّينَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أَنَّهُ يَحْنَثُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ تَمْرًا مُنْقَعًا) قَالُوا: إنَّهُ بِفَتْحِ الْقَافِ مُخَفَّفًا مِنْ أَنْقَعَ الزَّبِيبَ فِي الْخَابِيَةِ إذَا أَلْقَاهُ فِيهَا لِيَبْتَلَّ وَتَخْرُجُ مِنْهُ الْحَلَاوَةُ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مُنَقَّعٌ بِالتَّشْدِيدِ وَعَلَيْهِ بُنِيَتْ الْمَنْظُومَةُ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) أَيْ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الرِّوَايَةُ مَحْفُوظَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْيَابِسَةِ بِالْمَبْلُولَةِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ إذَا انْتَفَخَتْ أَمَّا إذَا بُلَّتْ مِنْ سَاعَتِهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْيَابِسَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ) وَهُوَ بَعْدَ الْيُبْسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِحَدِيثِ سَعْدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ حَالَةُ الْجَفَافِ إلَّا أَنَّ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ اعْتَبَرَ الْمُسَاوَاةَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ ثَمَّةَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَمَا يَكُونُ الرُّطَبُ شَيْئًا آخَرَ وَهُوَ التَّمْرُ فَلَا يَكُونُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْحِنْطَةُ الْمَبْلُولَةُ أَوْ الزَّبِيبُ الْمُنَقَّعُ أَوْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute