للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَتْ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمِعْيَارِ فَانْعَدَمَتْ الْعِلَّةُ بِانْعِدَامِ أَحَدِ شَطْرَيْهَا وَهُوَ الْقَدْرُ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ عِنْدِ الْإِتْلَافِ عِنْدَنَا وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ بِمَنْزِلَةِ الْحَفْنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ هَذَا إذَا بَاعَ مَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ بِمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ وَإِنْ بَاعَ مَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ بِنِصْفِ صَاعٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ لِوُجُودِ الْمِعْيَارِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَتَحَقَّقَتْ الشُّبْهَةُ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ كَالذَّرَّةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ جَازَ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ شَرْعًا إذْ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ الطُّعْمُ أَوْ الثَّمَنِيَّةُ وَقَدْ وُجِدَتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(وَالْفَلْسُ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) أَيْ الْبَدَلَانِ بِأَعْيَانِهِمَا بِأَنْ كَانَ الْفَلْسُ مُعَيَّنًا وَالْفَلْسَانِ مُعَيَّنَيْنِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَثْمَانٌ وَالثَّمَنُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلِهَذَا إذَا قَابَلَ الْفُلُوسَ بِخِلَافِ جِنْسِهَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهَا وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا أَوْ يَحْتَمِلُهُ بِأَنْ يَأْخُذَ بَائِعُ الْفَلْسِ الْفَلْسَيْنِ أَوَّلًا فَيَرُدَّ أَحَدَهُمَا قَضَاءً بِدَيْنِهِ وَيَأْخُذَ الْآخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ يَأْخُذَ بَائِعُ الْفَلْسَيْنِ الْفَلْسَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَضُمَّ إلَيْهِ فَلْسًا آخَرَ فَيَرُدَّهُمَا عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَلْسُهُ مَعَ فَلْسٍ آخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ وَهُوَ رِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ بِأَثْمَانٍ خِلْقَةً وَإِنَّمَا كَانَ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ وَقَدْ اصْطَلَحَا بِإِبْطَالِ الثَّمَنِيَّةِ فَتَبْطُلُ وَإِنْ كَانَتْ ثَمَنًا عِنْدَ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّاسِ لِبَقَاءِ اصْطِلَاحِهِمْ عَلَى ثَمَنِيَّتِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُمَا اصْطِلَاحُهُمْ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاصْطِلَاحِ فَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِمَعْنَاهُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحَفْنَةُ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْهُ «إنَّمَا نَحْنُ حَفْنَةٌ مِنْ حَفَنَاتِ اللَّهِ» أَيْ يُشِيرُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مُلْكِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحَفَنْت الشَّيْءَ إذَا جَرَفْتَهُ بِكِلْتَا يَدَيْك وَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الشَّيْءِ الْيَابِسِ كَالدَّقِيقِ وَالرَّمْلِ وَنَحْوِهِ اهـ وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّمَا نَحْنُ حَفْنَةٌ مِنْ حَفَنَاتِ اللَّهِ» أَرَادَ إنَّا عَلَى كَثْرَتِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ كَالْحَفْنَةِ وَهِيَ مِلْءُ الْكَفِّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إلَخْ) هَذَا إيضَاحٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إلَخْ اهـ يَعْنِي أَنَّ الْحَفْنَةَ وَالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةَ وَالتُّفَّاحَتَيْنِ لَوْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الْمِعْيَارِ كَانَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَلَكِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمِعْيَارِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ لَا فِي الْمُتَقَارِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الْجَوْزَةَ مِثْلُ الْجَوْزَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَكَذَا سَائِرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَعْنِي أَنَّ التَّمْرَةَ مِثْلُ التَّمْرَةِ وَالْبَيْضَةَ مِثْلُ الْبَيْضَةِ وَلَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ فِي حُكْمِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْجَوْزَةَ لَيْسَتْ مِثْلَ الْجَوْزَةِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْمُمَاثَلَةِ لِلتَّفَاوُتِ إلَّا أَنَّ النَّاسَ اصْطَلَحُوا عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ فَقُبِلَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ فَأَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَحُرْمَةِ الْفَضْلِ فَلَا. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ.

قَوْلُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ عِنْدَنَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِنْ فُرُوعِ ضَمَانِ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ بِالْقِيمَةِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ حَفْنَةً فَعَفِنَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَإِنْ أَبَى إلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهَا أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَسَادِ الَّذِي حَصَلَ لَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا الطُّعْمَ حَرَّمَ الْحَفْنَةَ وَالتُّفَّاحَةَ بِثِنْتَيْنِ وَقَالُوا: مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وُضِعَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرُ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ بِهَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ صَاعٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ نِصْفِ صَاعٍ فَصَاعِدًا بِحَفْنَةٍ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قِيلَ لَا رِوَايَةَ فِي الْحَفْنَةِ بِالْقَفِيزِ وَاللُّبِّ بِالْجَوْزِ وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ الرِّبَا وَلَا يَسْكُنُ الْخَاطِرُ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِالْقَصْدِ إلَى صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ تَحْرِيمُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ أَمَّا إنْ كَانَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرَ مِنْهَا كَمَا فِي دِيَارِنَا مِنْ وَضْعِ رُبْعِ الْقَدَحِ وَثُمُنِ الْقَدَحِ الْمِصْرِيِّ فَلَا شَكَّ وَكَوْنُ الشَّرْعِ لَمْ يُقَدِّرْ بَعْضَ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إهْدَارَ التَّفَاوُتِ الْمُتَيَقَّنِ بَلْ لَا يَحِلُّ بَعْدَ تَيَقُّنِ التَّفَاضُلِ مَعَ تَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إهْدَارِهِ وَلَقَدْ أَعْجَبُ غَايَةَ الْعَجَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ هَذَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ وَجَاءَ التَّقْدِيرُ بِنِصْفِ صَاعٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَدْنَى مَا يَكُونُ مَالُ الرِّبَا مِنْ الْحِنْطَةِ نِصْفُ الْقَفِيزِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَفِيزِ صَاعٌ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَلْسُ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) قِيلَ: الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْفَلْسَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفَلْسَ الْوَاحِدَ مَبِيعٌ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ ضَرُورَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَصْلُهُ أَنَّ الْفَلْسَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَا دَامَ رَابِحًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ جِنْسِهَا) كَمَا إذَا اشْتَرَى فَاكِهَةً بِفُلُوسٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ) فَكَذَا إذَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا) هَذَا لَا يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْإِجْمَاعِ بِالْآحَادِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَلْسُهُ مَعَ فَلْسٍ آخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ) وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَرْضَى بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ بِأَثْمَانٍ) وَالْأَصْلُ فِي الْفَلْسِ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا؛ لِأَنَّهُ نُحَاسٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ)؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهُمَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>