للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] إلَى قَوْلِهِ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] وَالْمُرَادُ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ شَرَطَ أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الزِّنَا وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْمُحْصَنَاتِ لَكِنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي الْمُحْصَنِينَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَعْنَى وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ يَشْمَلُهُمَا فَكَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ دَلَالَةً وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «لَمَّا أُنْزِلَتْ الْآيَةُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وَتَلَا الْآيَةَ فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَكَانُوا قَاذِفِينَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاذِفُ بِالزِّنَا بِأَنْ قَالَ جَامَعْتُ فُلَانَةَ حَرَامًا، أَوْ فَجَرْتُ بِهَا وَنَحْوُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْجِمَاعَ الْحَرَامَ قَدْ يَكُونُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا يُقَالُ يَجِبُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك وَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَلِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ

وَالْمُقْتَضَى إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَيَجِبُ الْحَدُّ إذْ الثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ وَشُرِطَ طَلَبُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ نَفْسٍ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ عَلَى بَدَنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِّ الشُّرْبِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَتْقَاءَ أَوْ مَجْبُوبًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ وَكَذَا قَذْفُ الْأَخْرَسِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلِأَنَّ طَلَبَهُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ فَيُنْزَعَانِ وَلَا يُنْزَعُ غَيْرُهُمَا إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّشْدِيدُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ رَدُّ شَهَادَتِهِ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْإِجْحَافُ بِهِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْجَلْدِ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِمَا بِالتَّجْرِيدِ وَبِزِيَادَةِ وَصْفِ الشِّدَّةِ فِي الضَّرْبِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِحْصَانُهُ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ زِنًا) وَأَرَادَ بِالْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الزِّنَا إذْ الزِّنَا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ وَذَلِكَ بِالتَّكْلِيفِ وَلِأَنَّهُمَا لِعَدَمِ عَقْلِهِمَا أَوْ لِقُصُورِهِ لَا يَقِفَانِ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ فَلَا يَلْحَقُهُمَا الشَّيْنُ بِهِ وَالْعَقْلُ زَاجِرٌ عَنْ ارْتِكَابِ مَا لَهُ عَاقِبَةٌ ذَمِيمَةٌ وَكَمَالُهُ بِالْبُلُوغِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَلَفْظُ الْإِحْصَانِ يَنْتَظِمُ الْحُرِّيَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] أَيْ الْحَرَائِرَ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَيَنْتَظِمُ الْعِفَّةَ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: ٥] أَيْ الْعَفَائِفُ

وَقِيلَ الْحَرَائِرُ وَلِأَنَّ الْمَقْذُوفَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا يَكُونُ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَالصِّدْقُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا يَجِبُ الْحَدُّ فَيَكُونُ الْكُلُّ وَهِيَ خَمْسُ شَرَائِطَ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْقَذْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الزِّنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِالْعَرَبِيِّ أَوْ النَّبَطِيِّ أَوْ الْفَارِسِيِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُحَدُّ لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْتِ بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ إلَخْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْتِ بِنَاقَةٍ أَوْ ثَوْرٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ دَرَاهِمَ حَيْثُ يُحَدُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْتِ وَأَخَذْت الْبَدَلَ إذْ لَا تَصْلُحُ الْمَذْكُورَاتُ لِلْإِدْخَالِ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ قِيلَ هَذَا الرَّجُلُ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعُرْفُ فِي جَانِبِهِ أُخِذَ الْمَالُ وَلَوْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ جَامَعَك فُلَانٌ جِمَاعًا حَرَامًا لَا يُحَدُّ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَلِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ وَالْجِمَاعُ الْحَرَامُ يَكُونُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَكَذَا لَا يُحَدُّ بِقَوْلِهِ يَا حَرَامٌ زَادُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ حَرَامٍ زِنًا وَلَا بِقَوْلِهِ أَشْهَدَنِي رَجُلٌ أَنَّك زَانٍ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِقَذْفِ غَيْرِهِ وَلَا بِقَوْلِهِ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى الزِّنَا لِأَنَّ أَفْعَلَ فِي مِثْلِهِ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّرْجِيحِ فِي الْعِلْمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ فِي فُرُوعٍ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ) وَالرَّجُلَانِ هَذَانِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ وَالْمَرْأَةُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ. اهـ. زَرْكَشِيٌّ (قَوْلُهُ دَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ) فَإِذَا لَمْ يُطَالِبْ الْمَقْذُوفُ فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ فَلَا يُسْتَوْفَى الْحَدُّ حِينَئِذٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُنْزَعُ غَيْرُ الْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) أَيْ الثَّوْبِ الْمَحْشُوِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ يُنْزَعُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْمَحْشُوِّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ الَّذِي يَصْلُحُ زَاجِرًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ سَبَبَهُ) أَيْ سَبَبَ حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ كَذِبُهُ فِي النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِحْصَانُهُ) أَيْ الْمَقْذُوفِ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ الْعَفَائِفُ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْعِفَّةِ قَالَ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِشُبْهَةٍ وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً يُرِيدُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ امْرَأَةً فِي الْحَيْضِ أَوْ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً سَقَطَ إحْصَانُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَوْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا فَدَخَلَ بِهَا أَوْ أُمِّهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ وَلَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا وَدَخَلَ بِهَا سَقَطَ إحْصَانُهُ اهـ لَفْظُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بِنْتِ الْمَمْسُوسَةِ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ نِكَاحَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا) أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَى قَاذِفِهِ الْحَدُّ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ) لَيْسَ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>