للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي غَضَبٍ حُدَّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُحْصَنَةً لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِأُمِّهِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ كَانَ مِنْ الزِّنَا ضَرُورَةً إذْ لَا نِكَاحَ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ أَبَدًا وَفِيهِ أَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَا حَدَّ إلَّا فِي قَذْفِ مُحْصَنَةٍ أَوْ نَفْيِ رَجُلٍ مِنْ أَبِيهِ وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ فِي غَضَبٍ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَضَبِ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ أَيْ أَنْتَ لَا تُشْبِهُ أَبَاك فِي الْمُرُوءَةِ وَالسَّخَاءِ فَلَا يُحَدُّ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ فَيُحَدُّ

وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنَّك ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ يُحَدُّ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْمُشَاتَمَةِ لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ نَسَبِهِ وَنِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يُحَدُّ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنَّ أَخْلَاقَهُ تُشْبِهُ أَخْلَاقَ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَكَأَنَّهُ ابْنُهُ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ قَذْفًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ وَلَكِنْ أَوْجَبْنَاهُ اسْتِحْسَانًا فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَثَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا فُلَانَةَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَذْفُ أُمِّهِ لَا لَفْظًا وَلَا اقْتِضَاءً لِأَنَّ نَفْيَ الْوِلَادَةِ نَفْيٌ لِلْوَطْءِ وَفِيهِ نَفْيُ الزِّنَا لَا إثْبَاتُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَيْرِهِ لَا كَنَفَيْهِ عَنْ جَدِّهِ وَقَوْلِهِ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ وَيَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ وَنِسْبَتِهِ إلَى عَمِّهِ وَخَالِهِ وَرَابِّهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْغَضَبِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَمَا لَا يَجِبُ بِنَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ وَالْمُرَادُ بِرَابِّهِ مَنْ رَبَّاهُ وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهِ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كُلُّهَا لَا تَكُونُ قَذْفًا لَمَّا نُبَيِّنُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ أَمَّا إذَا قَالَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَضَبِ لَسْتَ لِأَبِيك وَنَحْوَهُ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا إذَا نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ لَا ابْنُ جَدِّهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ وَعَدَمِ الْفَصَاحَةِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمِصْرِيِّ أَنْتَ رُسْتَاقِيٌّ وَأَنْتَ قَرَوِيٌّ وَيُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا لَا الْقَذْفُ

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ قَذْفٌ فَيُحَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَا نَبَطِيُّ فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ، لَوْ نَسَبَهُ إلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى غَيْرَ قَبِيلَتِهِ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا هُوَ أَوْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ وَكَانَ عَامِرُ بْنُ حَارِثَةَ يُلَقَّبُ بِمَاءِ السَّمَاءِ لِكَرَمِهِ وَقَالُوا بِأَنَّهُ كَانَ يُقِيمُ مَالَهُ فِي الْقَحْطِ مَقَامَ الْقَطْرِ وَسُمِّيَتْ أُمُّ الْمُنْذِرِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بِمَاءِ السَّمَاءِ لِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا وَقِيلَ لِأَوْلَادِهَا بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ وَهُمْ مُلُوكُ الْعِرَاقِ وَأَمَّا إذَا نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ مُرَبِّيهِ فَلِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ عَادَةً مَجَازًا وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إسْرَائِيلَ وَبَنِيهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: ١٣٣] وَإِبْرَاهِيمُ كَانَ جَدَّهُ وَإِسْحَاقُ أَبَاهُ وَإِسْمَاعِيلُ عَمَّهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: ١٠٠] يَعْنِي أَبَاهُ وَخَالَتَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَالُ أَبٌ» وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: ٤٥] قِيلَ إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الْمُرَبِّي فِي الْكِتَابِ دُونَ زَوْجِ الْأُمِّ تُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلتَّرْبِيَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَوْ نَسَبَهُ إلَى مَنْ رَبَّاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِزَوْجٍ لِأُمِّهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ ثُمَّ إنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَسْتَ لِأُمِّك لَا يُحَدُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَذَاكَ لِأَنَّهُ صَدَقَ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْآبَاءِ لَا إلَى الْأُمَّهَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي غَضَبٍ) ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافَ الْأُولَى وَفِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْغَضَبُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَجِيءُ اهـ قَالَ فِي النُّقَايَةِ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَيْ حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا بِصَرِيحِهِ أَوْ بِلَسْتَ لِأَبِيك أَوْ بِلَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ بِغَضَبٍ وَهُوَ أَبُوهُ حُدَّ ثَمَانِينَ سَوْطًا قَالَ الشُّمُنِّيُّ وَقَوْلُهُ فِي غَضَبٍ قَيْدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ بِقَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُشْبِهُهُ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِهِ لَسْتَ لِأَبِيك لِأَنَّ أُمَّك وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَنْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ إحْصَانُ الْوَاطِئِ بِذَلِكَ قُلْت إنَّمَا وَجَبَ الْحَدُّ لِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَذْفِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ لِأَنَّ الشَّتْمَ إنَّمَا يَكُونُ فِي عَادَاتِ النَّاسِ بِنَفْيِ النَّسَبِ بِالزِّنَا لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَنَحْوِهِ فَيَثْبُتُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَسْتَ لِأَبِيك أُمُّك زَانِيَةٌ فَيُحَدُّ الْقَاذِفُ إذَا كَانَتْ هِيَ مُحْصَنَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا إذَا قَالَ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا فَلَا يَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلٌ بَلْ يُحَدُّ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا حَلِيلَةَ فُلَانٍ لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ اهـ.

(قَوْلُهُ يَا نَبَطِيُّ) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ النَّبَطُ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ سَوَادَ الْعِرَاقِ قَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي هَجْوِ طَيِّئٍ

هُمْ نَبَطٌ مِنْ أَهْلِ حَوْرَانَ نِصْفُهُمْ ... وَمِنْ أَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ كَانَتْ سُطُورُهَا

وَفَسَّرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ النَّبَطِيَّ بِرَجُلٍ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ اهـ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَالِقِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْمَقَالَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ كِتَابِ دِيسْقُورِيدُوس وَبِلَادِ الْجَرَامِقَةِ هِيَ بِلَادُ النَّبَطِ وَهِيَ فِي بِلَادِ الرَّها وَالْمُوصِلِ وَالْجَزِيرَةِ فِيمَا وَصَفَهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْسَبُ إلَى الْجَدِّ مَجَازًا مُتَعَارَفًا وَفِي بَعْضِ أَصْحَابِنَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَأَمِيرُ حَاجٍّ جَدُّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إسْرَائِيلُ) أَيْ يَعْقُوبُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ} [يوسف: ١٠٠] إلَخْ) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ} [الأحزاب: ٥٥] إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْعَمَّ وَالْخَالَ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ) يُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>