للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَتَقَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاسْتِرْقَاقِ بِالِاسْتِيلَاءِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِتَحْرِيرٍ لِوَجْهِ اللَّهِ وَلِلشَّيْطَانِ وَلِلصَّنَمِ وَبِكُرْهٍ وَسُكْرٍ) أَيْ يَعْتِقُ الْعَبْدُ بِإِعْتَاقِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ أَوْ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِسُكْرٍ بِأَنْ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ مُكْرَهًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُوَ الرُّكْنُ الْمُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ، وَصِفَةُ الْقُرْبَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ بِالْمَالِ وَالْكِتَابَةِ مَشْرُوعَانِ، وَإِنْ عَرِيَا عَنْ صِفَةِ الْقُرْبَةِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِعَدَمِهَا أَصْلُ الْعِتْقِ، وَلَا يَخْتَلُّ بِهِ إزَالَةُ الرِّقِّ، وَكَذَا عِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الرِّضَا، وَبِالْإِكْرَاهِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا، وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إعْدَامِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ» وَالْهَازِلُ لَا يَرْضَى بِالْحُكْمِ، وَلَا يُرِيدُهُ

وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ بِنِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَهُوَ جَارٍ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ) أَيْ إنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ عُتَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى»، وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً، وَذَكَرُوا لِلْعِتْقِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً مِنْهَا الْإِعْتَاقُ، وَمِنْهَا دَعْوَى النَّسَبِ، وَمِنْهَا الِاسْتِيلَادُ، وَمِنْهَا مِلْكُ الْقَرِيبِ، وَمِنْهَا زَوَالُ يَدِ الْكَافِرِ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ

وَمِنْهَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ عَتِيقُ فُلَانٍ عَتَقَ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَأَلْفَاظُ الْعِتْقِ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ، وَالْإِعْتَاقُ عَلَى وُجُوهٍ مُرْسَلٌ، وَمُعَلَّقٌ، وَمُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى نَوْعَيْنِ بِبَدَلٍ وَغَيْرِ بَدَلٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قُرْبَةٌ وَمَعْصِيَةٌ وَمُبَاحٌ كَالْعِتْقِ لِأَجْلِ إنْسَانٍ أَوْ بِلَا نِيَّةٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً حَامِلًا عَتَقَتْ هِيَ وَحَمْلُهَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ فَأَعْتَقَ الْأُمَّ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَكْثَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَهُ عَتَقَ فَقَطْ) أَيْ إنْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَتَقَ وَحْدَهُ دُونَ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأُمَّ لَمْ يُضَفْ إلَيْهَا الْإِعْتَاقُ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَبَعًا لِلْحَمْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَلَا يَعْتِقُ، وَالْحَمْلُ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ، وَلِهَذَا يَعْتِقُ تَبَعًا لِلْأُمِّ فَلَأَنْ يَعْتِقَ إذَا أَفْرَدَهُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْهِبَةِ وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ شَرْطُ الْجَوَازِ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِتْقِ، وَلِهَذَا جَازَ عِتْقُ الْآبِقِ دُونَ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ، وَلِأَنَّ إعْتَاقَهُ عَلَى تَقْدِيرِ انْفِصَالِهِ حَيًّا لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ وَالتَّعْلِيقَ فَكَأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِكَوْنِهِ حَيًّا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَافْتَرَقَا

وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَلَى مَالٍ بِأَنْ شَرَطَهُ عَلَى الْأُمِّ صَحَّ الْعِتْقُ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْجَنِينِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَقِ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى عَلَى أَمَتِهِ دَيْنٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَاشْتِرَاطُ الْعِوَض عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضُ لَا يَجُوزُ كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْخُلْعِ وَالْقِصَاصِ حَيْثُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَرْأَةَ لَا يَسْتَفِيدَانِ بِالْعَقْدِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمَا حَقُّ الْغَيْرِ، وَمَعَ هَذَا جَازَ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِمَا فَكَذَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِكَوْنِهِ مِثْلَهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى أَعْنِي فِي عَدَمِ حُصُولِ الْفَائِدَةِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَيَثْبُتُ لَهُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَبْلُ فَإِنَّ نَفْسَهُ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمَوْلَاهُ فَكَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَسُلِّمَ الْمُعَوَّضُ لِلْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قِيَامُ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ

وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ فِي بَطْنِهَا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَتَلِدُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ أَعْتَقَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ بِأَنْ أَعْتَقَهُ، وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ مُكْرَهًا) قَوْلُهُ مُكْرَهًا بِالنَّصْبِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ، وَمِنْهَا زَوَالُ يَدِ الْكَافِرِ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا سَبَبُهُ الْمُثْبِتُ لَهُ فَقَدْ يَكُونُ دَعْوَى النَّسَبِ ثُمَّ قَالَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا زَوَالُ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَ مِنْ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا).

فَرْعٌ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْإِجَارَةِ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَلَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَعْتَقْتنِي قَبْلَ وِلَادَتِهِ فَيَكُونُ حُرًّا تَبَعًا لِي، وَقَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك بَعْدَهَا فَلَا يَعْتِقُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>