للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالِاسْتِيلَاءُ سُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَاسْتِيلَائِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك

وَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ نَوَى فَكَذَا هَذَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ عِبَارَةً عَنْ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ صَارَ نَفْيُهُ تَعَرُّضًا لِنَفْيِ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ لَا الْمِلْكِ، وَالْيَدُ تَنْتَفِي بِالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ، وَلَوْ عَتَقَ بِهِ لَزَالَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا وُضِعَ لَهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنَّهُ يُفِيدُ انْتِفَاءَ الْمِلْكِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالتَّمْلِيكِ لِغَيْرِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى فَلَا يَعْتِقُ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ لِلْمَوْلَى سَبِيلًا عَلَى مَمْلُوكِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِالْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ فَنَفْيُهُ مُطْلَقًا يُفِيدُ نَفْيَ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ وَعَتَقَ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ، وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك

وَأَمَّا أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَذَكَرْنَا فِيهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ فَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً، وَقَدْ تَكُونُ خَاصَّةً فَلَا يَعْتِقُ بِلَا نِيَّةٍ لِلشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَتَقَ بِمَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ) أَيْ عَتَقَ بِقَوْلِهِ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ فَكَانَ فِيهِ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ، وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ، وَبَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ كَافِ التَّشْبِيهِ، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ وَصَفَهُ وَلَمْ يُضِفْ فَقَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ، وَبَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ عَتَقَ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَلَيْسَ بِتَشْبِيهٍ، وَالرَّأْسُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجُمْلَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ ذَاتُك ذَاتُ حُرٍّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمِلْكِ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) يَعْنِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِتَمَلُّكِ قَرِيبِهِ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتِقُ إلَّا الْوِلَادُ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى الصِّلَاتِ فَيُنَاطُ بِأَقْرَبِ الْقَرَابَاتِ، وَهُوَ الْوِلَادُ لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، وَغَيْرُ الْوِلَادِ مُلْحَقٌ بِالْأَجَانِبِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَوَضْعِ الزَّكَاةِ وَالشَّهَادَاتِ وَحِلِّ الْحَلِيلَةِ وَامْتِنَاعِ التَّكَاتُبِ عَلَيْهِ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ، وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهَا بِالْوِلَادِ قِيَاسًا أَوْ اسْتِدْلَالًا لِنُزُولِهَا عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ، وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي حُرْمَةِ الْقَطْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا حَرُمَ بِهَذِهِ الْقَرَابَةِ صِيَانَةً لِلْقَرِيبِ عَنْ ذُلِّ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالِاسْتِفْرَاشِ قَهْرًا فَيُؤَدَّى إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ صِيَانَةً، وَلِلصِّيَانَةِ عَنْ الْقَطْعِ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ» أَشَارَ إلَى الْمُنَافَرَةِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الضَّرَائِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: ١] أَيْ اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصَوْهُ وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْأَرْحَامَ هِيَ الَّتِي تَجِبُ صِيَانَتُهَا وَوَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا فَكُلُّ مَا كَانَ الذُّلُّ فِيهِ أَقْوَى فَالْقَطِيعَةُ فِيهِ أَشَدُّ فَكَانَتْ الصِّيَانَةُ عَنْهُ أَوْجَبَ

وَالتَّعْلِيلُ بِالْوِلَادِ وَالْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ بِغَيْرِهِ لِجَوَازِ تَرَادُفِ الْعِلَلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا لَا يَتَكَاتَبُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ، وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَإِنَّمَا لَهُ التَّكَسُّبُ خَاصَّةً، وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ يَجِبُ مُوَاسَاتُهَا بِالتَّكَسُّبِ فَلِهَذَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْوِلَادِ عَلَى الْكَسُوبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ فَكَذَا التَّكَاتُبُ عَلَى أَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَا تُوجِبُ تَفَاوُتًا فِي الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ أَيْضًا تَتَفَاوَتُ أَحْكَامُهُمْ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ كَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ حَتَّى لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ، وَيَقْتُلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ

وَكَذَا تَجِبُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا، وَعَلَى الْكَسُوبِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْآبَاءِ دُونَ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ ثُمَّ لَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي عَدَمِ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ فَكَذَا فِيمَا ذُكِرَ، وَلَوْ مَلَكَ الْحَرْبِيُّ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا الْمُسْلِمُ لَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فِيهَا لَمْ يَعْتِقْ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُسْلِمُ عَبْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا، وَيَعْتِقُ عِنْدَهُ، هُوَ يَقُولُ إنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهُ فَيَمْلِكُ إزَالَتَهُ بِالْعِتْقِ، وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّهُ مُعْتَقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهْرِهِ، وَلَوْ طَرَأَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْحَرْبِيِّ أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ فَالْمُقَارِنُ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ الْحُرِّيَّةَ حَتَّى لَوْ خَلَّى سَبِيلَهُ وَأَزَالَ يَدَهُ عَنْهُ عَتَقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَرِقَّ بِيَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَالْيَدُ بِهِ أَكْثَرُ) لَعَلَّهُ وَأُرِيدَ بِهِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ حَتَّى عَتَقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهَ النَّفَقَةَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ» إلَخْ) فَالرَّحِمُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَرَابَةِ، وَالْمَحْرَمُ عِبَارَةٌ عَنْ حُرْمَةِ النِّكَاحِ. اهـ. رَازِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>