للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَارِنٌ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَيَطُوفُ وَيَسْعَى لَهَا) أَيْ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِلْعُمْرَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الطَّوَافِ وَيُهَرْوِلُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ فِي السَّعْيِ وَيُصَلِّي بَعْدَ الطَّوَافِ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (ثُمَّ يَحُجُّ كَمَا مَرَّ) فَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ وَيَفْعَلُ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْحَجِّ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمُفْرِدِ، وَإِنَّمَا يُقَدِّمُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] وَكَلِمَةُ إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَيُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ ضَرُورَةً حَتَّى يَكُونَ الِانْتِهَاءُ بِالْحَجِّ وَالْآيَةُ، وَإِنْ نَزَلَتْ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرَفَّقَ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ فِيهِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْأَوَّلَ لِلْحَجِّ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعُمْرَةِ كَرَمَضَانَ وَكَطَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ إذَا نَوَاهُ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ إلَّا لَهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بَيْنَهُمَا بِالْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ أَمَّا عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَوَانَ التَّحَلُّلِ فِيهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَمَّا عَلَى إحْرَامُ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوَانَ تَحَلُّلِ الْقَارِنِ يَوْمَ النَّحْرِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُنْتَقَى فَقَالَ قَارِنٌ طَافَ لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ حَلَقَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالْحَلْقِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَقَعُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ وَفَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَحَلَقَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِذَلِكَ مِنْ عُمْرَتِهِ بَلْ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَهَذَا أَوْلَى وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِيهِ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْحَلْقِ بَعْدَ الذَّبْحِ كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ طَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ جَازَ وَأَسَاءَ) أَيْ لَوْ طَافَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَوَافَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا ثُمَّ سَعَى سَعْيَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَيْهِ وَأَسَاءَ بِتَأْخِيرِهِ سَعْيَ الْعُمْرَةِ وَتَقْدِيمِ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ النُّسُكِ وَتَأْخِيرَهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُ فَطَوَافُ الْقُدُومِ سُنَّةٌ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الْجَابِرَ فَكَذَا تَقْدِيمُهُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ أَهْوَنُ مِنْ التَّرْكِ وَالسَّعْيُ تَأْخِيرُهُ بِعَمَلٍ آخَرَ كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا فَكَذَا بِالِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِذَا رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ سُبُعَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] وَالْقِرَانُ بِمَعْنَى التَّمَتُّعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَارِنًا وَذَبَحَ الْهَدَايَا» وَقَالَ جَابِرٌ «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَرَادَ بِالْبَدَنَةِ هُنَا الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَدَنَةِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَيُجْزِئُ سُبُعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ وَاحِدٍ وَالْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُّ مَا كَانَ أَعْظَمَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: ٣٢].

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَامَ الْعَاجِزُ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَسَبْعَةً إذَا فَرَغَ وَلَوْ بِمَكَّةَ) أَيْ صَامَ الْعَاجِزُ عَنْ الْهَدْيِ إلَى آخِرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٦] الْآيَةَ، وَهُوَ، وَإِنْ نَزَلَ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ بِمَعْنَاهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَتَنَاوَلُهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ لِأَجْلِ شُكْرِ النِّعْمَةِ حَيْثُ وُفِّقَ لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَالْقَارِنُ يُشَارِكُهُ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقْتُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَوَقْتُهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَطُوفُ وَيَسْعَى لَهَا) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا لَوْ طَافَ لَهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ قَارِنًا كَمَا أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ أَوَّلَ بَابِ التَّمَتُّعِ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ) أَيْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ مَعَ الرَّمَلِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَالسَّعْيُ بَعْدَ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ هِيَ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعُمْرَةَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ ثُمَّ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ إنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْعُمْرَةِ لَكِنَّ الْقَارِنَ لَيْسَ عَلَيْهِ حَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَسْعَى بَعْدَهُ) يَعْنِي أَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَارِنٌ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ شَرَعَ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ فِي ابْتِدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْحَجِّ لَا الْعُمْرَةِ وَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَيَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي كُلِّ شَوْطٍ كَمَا فِي الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْآيَةُ، وَإِنْ نَزَلَتْ فِي التَّمَتُّعِ فَالْقِرَانُ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إلَخْ) أَوْ نَقُولُ قَدْ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَرَنَ الْحَجَّ بِالْعُمْرَةِ» وَقَدْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَدَائِهِ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فَيُقَدِّمُ الْقَارِنُ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَازَ وَأَسَاءَ)، وَإِنَّمَا صَارَ مُسِيئًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي حَقِّ الْقَارِنِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ يَطُوفَ وَيَسْعَى لِحَجَّتِهِ فَلَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الطَّوَافَيْنِ وَالسَّعْيَيْنِ تَرَكَ السُّنَّةَ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَالسَّعْيُ إلَخْ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِ الْعُمْرَةِ أَشْيَاءُ كَالْأَكْلِ فَجَازَ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا طَوَافُ الْحَجِّ أَيْضًا وَلَا يَبْطُلُ طَوَافُ الْحَجِّ بِتَقْدِيمِهِ عَلَى سَعْيِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْحَجِّ لَيْسَ بِمُرَتَّبٍ عَلَى سَعْيِ الْعُمْرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السَّعْيَ لَا تَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بَلْ طَوَافُ الْحَجِّ مُرَتَّبٌ عَلَى طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَقَدْ حَصَلَ، وَإِنَّمَا بَطَلَ تَقْدِيمُ السَّعْيِ عَلَى الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ فَلَمْ يَصِحَّ تَقْدِيمُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ عَنْ الطَّوَافِ اهـ.

(قَوْلُهُ، وَإِذَا رَمَى) أَيْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>