للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَفْعَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ أَوْ الْأَمَةِ إذَا أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ دُونَ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ أَثْبَتَ إقْرَارَهُ بِهِ

وَهَذَا لِأَنَّ مَقْصُودَ ذِي الْيَدِ إثْبَاتُ يَدٍ حَافِظَةٍ لِنَفْسِهِ لَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَهُوَ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ يَدِهِ فَيَثْبُتُ دُونَ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ بِالْحُضُورِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَفِيلُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا إذَا ادَّعَى إحَالَةَ غَرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ دَفْعَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ يُؤَدِّي إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَخُرُوجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ إلَخْ قُلْنَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ فَيَتَوَقَّفُ بِمُوَاجِبِهِ وَانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ مِنْهَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا صَدَقَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مِلْكَهُ كَانَ ثَابِتًا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ حَافِظَةً لَا يَدَ خُصُومَةٍ وَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ إذَا حَضَرَ

وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَيُسَلِّمُ الْقَاضِي الْمَقَرَّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ إذَا غَابَ الْمُقِرُّ بَعْدَ إقْرَارِهِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْعَيْنَ بَعْدَ هَلَاكِهَا عِنْدَهُ حَيْثُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْقِيمَةَ وَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِهَا عَلَى مُودِعِ الْغَاصِب فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ لِغَيْرِهِ وَفِي الْعَيْنِ يَتَبَيَّنُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْفِعْلَ عَلَيْهِ كَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ صَارَ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ فَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْعَيْنَ لِغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ تَجُوزُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ فَلَا تَنْدَفِعُ بِالتَّحْوِيلِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ لَا تَجُوزُ فَتَنْدَفِعُ بِالتَّحْوِيلِ لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا لَهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ

فَإِذَا أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ يَدَهُ حَافِظَةٌ وَلَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخِرًا إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَالِحًا فَالْجَوَابُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ وَالِافْتِعَالِ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْنَ لِلْغَائِبِ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ مِنْ النَّاسِ يَأْخُذُ مَالَ غَيْرِهِ غَصْبًا وَيَدْفَعُهُ سِرًّا إلَى غَرِيبٍ يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ مِنْ الْبَلْدَةِ وَيُوَاعِدُهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ لِيُمْكِنَهُ الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ أَوْدَعَهُ غَيْرَهُ عِنْدَ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ فَيُضَيِّعُ بِذَلِكَ مَالَهُ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي أَحْوَالِ النَّاسِ وَيَعْمَلَ بِمُقْتَضَى حَالِهِمْ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ مَا وَلِيَ الْقَضَاءَ وَابْتُلِيَ بِأُمُورِ النَّاسِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُ صَاحِبَ الْمَالِ وَهُوَ الْمُوَدِّعُ أَوْ الْمُعِيرُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْبَعَهُ وَإِنْ قَالُوا لَا نَعْرِفُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمْ مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِي عَلَى رَجُلٍ مَعْرُوفٍ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَلَعَلَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَلَوْ انْدَفَعَتْ لَبَطَلَ حَقُّهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُودِعُ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ يَبْطُلُ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ

وَلَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ فَلَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ إلَّا إذَا أَحَالَهُ عَلَى مَعْرُوفٍ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمُدَّعِي وَالْمَعْرِفَةُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً أَلَا تَرَى «قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَجُلٍ أَتَعْرِفُ فُلَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فَقَالَ لَا فَقَالَ إذًا لَا تَعْرِفُهُ» وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بِوَجْهِهِ لَا يَحْنَثُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا إلَّا بِوَجْهِهِ عِنْدَ الشُّهُودِ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُدَّعِي مِنْ اتِّبَاعِهِ فَيَتَضَرَّرُ بِانْدِفَاعِهَا عَنْهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا إلَخْ) وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا أُودَعَهُ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَوَجْهِهِ حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَوْ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ) أَيْ بِالتَّزْوِيرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَوَجَّهَتْ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِأَنَّهَا تَوَجَّهَتْ اهـ

(قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُ فُلَانًا الْغَائِبَ بِوَجْهِهِ وَلَكِنْ لَا نَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فَكَذَلِكَ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُصُولُ الْعَيْنِ إلَى ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُدَّعِي فَثَبَتَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَهَذَا يَكْفِي لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فَكَذَلِكَ هَذَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُسْمَعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ مَا لَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ الْغَائِبِ وَنَسَبَهُ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ خَصْمٌ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ وَهُوَ يَمْلِكُ نَقْلَ الْخُصُومَةِ إلَى غَيْرِهِ أَمَّا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُدَّعِي وَمَتَى صَارَ الْغَائِبُ مَعْرُوفًا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَانَ نَقْلًا وَإِذَا لَمْ يَصِرْ مَعْرُوفًا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُدَّعِي مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَهُ فَيَكُونُ إبْطَالًا لِحَقِّ الْمُدَّعِي وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهَا رَجُلٌ لَا نَعْرِفُ اسْمَهُ وَلَا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لِلْمَجْهُولِ وَلَعَلَّ الْمُودِعَ هُوَ الْمُدَّعِي فَعَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُودِعُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْخُصُومَةِ فَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِالشَّكِّ وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ

وَقَالَ ذُو الْيَدِ لَا أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ ذُو الْيَدِ فَصَارَ مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي بَعْضِ شَهَادَتِهِمْ فَإِنْ قَالَ ذُو الْيَدِ أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَشُهُودُهُ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْدَعَهَا رَجُلٌ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الشُّهُودَ هَلْ تَعْرِفُونَهُ بِوَجْهِهِ

فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَيْهِ تُقْبَلُ وَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ لَا أَعْرِفُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>