للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ عَمِّهَا غَيْرَهُ فِي دَرَجَتِهِ

وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ كَلَامَ الْوَاحِدِ فِي بَابِ النِّكَاحِ يَقُومُ مَقَامَ كَلَامَيْنِ وَالشَّخْصَ الْوَاحِدَ يَقُومُ مَقَامَ شَخْصَيْنِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَجُوزُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا يَتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْإِذْنِ فِي النُّفُوذِ لَا فِي جَعْلِ غَيْرِ الْعَقْدِ عَقْدًا كَمَا إذَا جَرَى ذَلِكَ بَيْنَ فُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ فُضُولِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِذَا أَجَازَهُ نَفَذَ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: خَالَعْت امْرَأَتِي عَلَى كَذَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَبَلَغَهَا فَقَبِلَتْ جَازَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَرَ عَنْ إذْنٍ لَا يَصِحُّ فَبِدُونِ الْإِذْنِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الصَّادِرَ مِنْ الْوَاحِدِ شَطْرُ الْعَقْدِ وَلِهَذَا كَانَ شَطْرًا حَالَةَ الْحَضْرَةِ حَتَّى يَبْطُلَ بِقِيَامِ أَحَدِهِمَا وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ، وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَلِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كُلُّ الْعَقْدِ حُكْمًا لِحَقِّ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبُولِ فَصَارَ كَشَخْصَيْنِ وَكَلَامُهُ كَكَلَامَيْنِ فَيُقَدَّرُ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِ الْكَلَامَيْنِ لَا عَلَى اعْتِبَارِ كَلَامٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ الْكَلَامُ الْوَاحِدُ كَالْكَلَامَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الْوِلَايَةِ

وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَكَلَامَيْنِ عِنْدَ عَدَمِهَا فَبَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ حَقِيقَةً وَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ بَعْضُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الْكَلَامِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ الْقَبُولُ فَيَصِيرَ عَقْدًا مُعْتَبَرًا وَلَا بَقَاءَ لِلْكَلَامِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ عَرَضٌ يَتَلَاشَى وَيَضْمَحِلُّ وَإِنَّمَا يُعَدُّ بَاقِيًا بِبَقَاءِ حُكْمِهِ فَمَتَى أَفَادَ حُكْمًا يَبْقَى بِاعْتِبَارِهِ فَتَعْمَلُ فِيهِ الْإِجَازَةُ وَإِلَّا فَلَا وَالْعَقْدُ التَّامُّ لَهُ حُكْمٌ وَبَعْضُ الْعَقْدِ لَا حُكْمَ لَهُ وَبِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِمَا فَصَارَتْ قَائِمَةً مَقَامَ عِبَارَتِهِمَا فَكَانَ تَمَامُ الْعَقْدِ بِاثْنَيْنِ مَعْنًى وَهُنَا لَا تَنْتَقِلُ عِبَارَتُهُ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْأَمْرِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ فَبَقِيَتْ عِبَارَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِلْعَقْدِ وَبِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْيَمِينُ حُكْمٌ فَيَبْقَى بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ النِّكَاحُ تَعْلِيقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا بُطْلَانُهُ بِقِيَامِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ وَلِهَذَا يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِ مِنْ جَانِبِهَا وَمَا جَرَى بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ الْفُضُولِيِّ وَغَيْرِهِ عَقْدٌ تَامٌّ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهِ جَوَازُ الشَّرْطِ

وَفِي الْحَوَاشِي قَالَ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: لِأَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ يَتَكَلَّمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ حُكْمًا وَلَوْ تَكَلَّمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ صَرِيحًا يَتَوَقَّفُ بِأَنْ قَالَ: زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَقَبِلْت عَنْ فُلَانٍ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا أَتَى بِلَفْظَيْنِ يَنْعَقِدُ وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَةَ عَمِّهِ الْكَبِيرَةَ مِنْ نَفْسِهِ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَتَوَقَّفُ وَبَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى فُضُولِيٌّ مِنْ جَانِبِهَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَكِيلٌ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً نَفَذَ؛ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ مِنْ جِهَتِهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ فَخَالَفَ بِامْرَأَتَيْنِ) يَعْنِي إذَا أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ يَكُونُ مُخَالِفًا وَلَا يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهِمَا لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ وَلَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَا يُفِيدُ حِلَّ الْوَطْءِ إذْ الْوَطْءُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مُعَيَّنَةٍ وَالْمُنْكَرَةُ ضِدُّهَا وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَتَعَيُّنُ التَّفْرِيقِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَهُمَا أَوْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا أَيَّتَهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِلْمُخَالَفَةِ، وَلَوْ قَالَ فَانْتَفَى اللُّزُومُ اسْتَقَامَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ يَصِحُّ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ قَدْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مَنْكُوحَةً وَالْأُخْرَى غَيْرَ مَنْكُوحَةٍ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ثَلَاثًا، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِهِ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْبَيَانِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِهِ

ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ إحْدَاهُمَا كَانَ الْمِيرَاثُ وَمَهْرُ إحْدَاهُمَا بَيْنَهُمَا لَهُمَا وَيَلْزَمُهُمَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِأَمَةٍ) أَيْ لَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ بِالنِّكَاحِ مُخَالِفًا بِتَزْوِيجِهِ الْأَمَةَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُخَالِفٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَمَةُ الْغَيْرِ أَمَّا إذَا زَوَّجَهُ أَمَةَ نَفْسِهِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ أَمِيرًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفْئًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا أَتَى بِلَفْظَيْنِ يَنْعَقِدُ) أَيْ مَوْقُوفًا اتِّفَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ السُّرُوجِيُّ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ مَأْمُورًا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْوَاحِدِ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَفُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَوْ زَوَّجَ غَائِبَةً مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مُوَكِّلِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَوَقَّفُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ) وَفِي النِّهَايَةِ الشَّاهِيَةِ هَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَأَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْرَى جَازَ نِكَاحُ الْمُعَيَّنَةِ وَتَوَقَّفَ نِكَاحُ الْأُخْرَى عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهَا فُضُولِيٌّ فِي الْأُخْرَى اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ) أَيْ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ) قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ لَا يَرُدُّ هَذَا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَرُدَّ الْآمِرُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ يَتَعَيَّنُ التَّفْرِيقَ وَأَمَّا إذَا أَجَازَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَهُ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَخْ) أَيْ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ اهـ. غَايَةٌ أَمَّا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ فَلِطُولِ الْحُرَّةِ اهـ. غَايَةٌ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَائِلِ فَصْلِ الْكَفَاءَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْمُحِيطِ الْكَفَاءَةُ مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قُلْت وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>