للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ وَفِي النَّذْرِ تُتَحَمَّلُ الْجَهَالَةُ وَإِنْ كَانَتْ فَاحِشَةً وَهِيَ مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً بِاعْتِبَارِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَلَا تُتَحَمَّلُ الْجَهَالَةُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْكَفَالَةِ تُتَحَمَّلُ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ تَكَفَّلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ صَحَّ فَبِالْوَصْفِ وَهُوَ الْأَجَلُ أَوْلَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَصِحَّ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ أَصْلًا فَكَذَا فِي وَصْفِهِ.

قَالَ (وَلَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ صَحَّ) أَيْ لَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ ثُمَّ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْآجَالَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ الْبَيْعُ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِإِسْقَاطِ الْمُفْسِدِ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ عَنْ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَكَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ وَلَنَا أَنَّ الْمُفْسِدَ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ يَسِيرٌ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِ فَيَنْقَلِبُ صَحِيحًا عِنْدَ إزَالَتِهِ أَوْ نَقُولُ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا فَبِالْإِسْقَاطِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا عَلَى مَا قَالَهُ مَشَايِخُنَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَبْلَ مَجِيئِهِ لَا مُنَازَعَةَ فَلَا يَفْسُدُ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ عَقْدٍ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِإِزَالَةِ الْمُفْسِدِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا عِنْدَهُمْ وَمَوْقُوفًا عِنْدَ مَشَايِخِنَا بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَبِخِلَافِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ وَالْعَقْدُ لَا يَنْقَلِبُ عَقْدًا آخَرَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ أَيْ لَوْ أَسْقَطَهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُ فَيَنْفَرِدُ بِإِسْقَاطِهِ وَلَا يَشْتَرِطُ فِيهِ التَّرَاضِي وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ وَقَعَ اتِّفَاقًا مَخْرَجُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ رِضَا مَنْ لَهُ الْحَقُّ يَكْفِي وَلَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ وَالْجَهَالَةُ فِي تَأْجِيلِ الدَّيْنِ مُحْتَمَلَةٌ لِخُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ الْمُفْسِدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُقَارِنَةٌ لَهُ فَيَفْسُدُ.

قَالَ (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ بَيْنَ مِلْكٍ وَوَقْفٍ صَحَّ فِي الْقِنِّ وَعَبْدِهِ وَالْمِلْك) أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُمَا صَارَا صَفْقَتَيْنِ فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلَهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ فَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهَا بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَتَبْطُلُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ وَالْمَيِّتَةَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْعَقْدِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ فَيَكُونُ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ وَالْمَيِّتَةِ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ فَيَبْطُلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ الْمَجْمُوعُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ فِي الْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَقَدْ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْمَالِ فَيَفْسُدُ كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا وَلَهُمَا إذَا لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَنَحْوَهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ ثُمَّ يُنْقَضُ فِي حَقِّهِ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا حَالَةَ الْبَقَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْحُرُّ وَنَحْوُهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا فَلَوْ جَازَ الْبَيْعُ فِيمَا ضَمَّ إلَيْهِ لَكَانَ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحَلَّلَةِ فِيمَا إذَا ضَمَّ إلَيْهَا الْمُحَرَّمَةَ فَعَقَدَ عَلَيْهِمَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا بِجَهَالَةِ الْمَهْرِ فَيَكُونُ صَحِيحًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ وَعَبْدَ الْغَيْرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

عَلَى الْمُسَاهَلَةِ، وَلِهَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالْمَجْهُولِ بِأَنْ قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ فَجَهَالَةُ الْأَجَلِ فِيهَا إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً مُسْتَدْرَكَةً لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأَجَلِ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَدْرَكَةٍ كَالْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَلَا يَصِحُّ الْأَجَلُ وَيَكُونُ حَالًّا. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ) وَرَوَى عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ بَيْعَ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَالْقَفِيزِ بِالْقَفِيزَيْنِ فَاسِدٌ مُفِيدٌ لِلْمِلْكِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ كَالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ) قَالَ الْكَمَالُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَيْ عَنْ ذِكْرِ الْأَجَلِ حَتَّى انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّأْجِيلُ بَعْدَ الصِّحَّةِ كَالْكَفَالَةِ بِتَحَمُّلِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَأْجِيلُ دَيْنٍ مِنْ الدُّيُونِ بِخِلَافِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَقَبُولُ هَذِهِ الْآجَالِ شَرْطٌ فَاسِدٌ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا كَالْمَيِّتَةِ اهـ فَإِنْ قُلْت مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُجْتَهَدٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَالْمُدَبَّرِ قُلْت ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يُعْتَبَرْ اجْتِهَادًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] فَكَانَ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ كَالْمَيِّتَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي إلَخْ) يُرِيدُ بِالثَّانِي مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ لَا مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ لِزُفَرَ فِيهِ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُفَصِّلَ لَكِنَّهُ أَخَذَ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَفِيهَا مَا فِيهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ وَعَبْدَ الْغَيْرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ) اعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ أَمَّا إذَا قَضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>