للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَسْلِيمِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْمَنْقُولِ، وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِيهِ بِالْهَلَاكِ وَهُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَصَارَ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْعَقَارِ نَادِرٌ وَلَا يُمْكِنُ تَعْيِيبُهُ لِيَصِيرَ هَالِكًا حُكْمًا حَتَّى لَوْ تُصُوِّرَ هَلَاكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالُوا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَا رَوَاهُ مَعْلُولٌ بِغَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا نَادِرًا وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ فَصَارَ كَاحْتِمَالِ غَرَرِ الِانْفِسَاخِ بِالِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِيهِ وَفِي الْمَنْقُولِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِهِ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ وَكَذَلِكَ التَّصَرُّفُ فِي الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمَا أَمِنَ مِنْهُ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُطْلَقَ لِلتَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ قَدْ وُجِدَ لَكِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْغَرَرِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَذَلِكَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَقِيلَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ وَهَلَاكُهَا غَيْرُ نَادِرٍ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَنْقُولِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بَيْعُ الْمَنْقُولِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا ابْتَعْت طَعَامًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ وَالْغَرَرُ حَرَامٌ لِمَا رَوَيْنَا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ بَاعَ غَيْرَ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ نَقَدَ الثَّمَنَ فَالْبَيْعُ الثَّانِي نَافِذٌ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّسْلِيمِ إذْ لَيْسَ لِلْبَائِعِ مَنْعُ الْمَبِيعِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَالْبَيْعُ الثَّانِي مَوْقُوفٌ وَهُوَ الْأَصْلُ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَلَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَوَقَّفَتْ كِتَابَتُهُ وَكَانَ لِلْبَائِعِ حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْفَسْخِ فَلَمْ تَنْفُذْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ نَظَرًا لَهُ وَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ نَفَذَتْ الْكِتَابَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ وَهَبَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ رَهَنَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ لَمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) أَيْ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْعَقَارِ نَادِرٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ فَجَازَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَهُ لِتَوَهُّمِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ إلَّا نَادِرًا بِغَلَبَةِ الْمَاءِ وَالرَّمْلِ أَوْ تَخْرِيبِ الْفَأْرِ وَالنَّادِرُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ وَنَحْوِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ عَلَى طَرَفِ الْمَغَارَةِ الْغَالِبِ عَلَيْهَا الرَّمْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عُلُوًّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِتَصَوُّرِ هَلَاكِهِ. اهـ. مُحِيطٌ. (قَوْلُهُ: وَمَا رَوَاهُ مَعْلُولٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَنَقُولُ الْمُرَادُ مِنْهُ بَيْعُ الْمَنْقُولِ وَمَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ بِالْبَرَاجِمِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَبْضُ فِي الْحَقِيقَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبَاعُ حَتَّى تَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهَا»؛ لِأَنَّ الْحَوْزَ إلَى الرَّحْلِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَنْقُولِ وَلِأَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِعْتَاقُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْوَصِيَّةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَخْتَصُّ بِالْمَنْقُولِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ إجْمَاعًا وَفِي غَيْرِهِ خِلَافٌ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا لِدَلَائِلِ جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ بِالْحَدِيثِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعَلَّلَ الْحَدِيثَ بِغَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ حُمِلَ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت فِي الْعَقَارِ أَيْضًا يُتَوَهَّمُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ بِأَنْ يُرَدَّ بِالْعَيْبِ قُلْت لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِيرُ الْمَبِيعُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ فَزَالَ تَوَهُّمُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ فَإِنْ قُلْت غَرَرُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ مَوْجُودٌ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا بِظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَيْفَ لَمْ يُلْتَفَت إلَيْهِ قُلْت: لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ بِغَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَخَصُّ الْخُصُوصِ لِمَا قُلْنَا عَلَى أَنَّا نَقُولُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ بَابُ الْبَيْعِ مَسْدُودًا وَهُوَ مَفْتُوحٌ بِدَلِيلٍ جَوَازِ الْبَيْعِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا بَيْعُ الْمَنْقُولِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّ فِي الْمَنْقُولِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَبَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَقَدْ رُوِيَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَالْغُرُورِ مَا طُوِيَ عَنْك عِلْمُهُ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ مَا قَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ أَنَّ كُلَّ عِوَضٍ مُلِكَ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَالْمَبِيعِ وَالْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ عَيْنًا وَبَدَلُ الصُّلْحِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَمَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَعَلَّلَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ لَا يَنْقُضُ الْعَقْدَ وَيَكُونُ عَلَى الَّذِي بَذَلَهُ قِيمَتُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ) أَيْ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَفَسَّرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بِقَوْلِهِ أَيْ الْعَقْدُ الثَّانِي وَكَأَنَّهُ سَهْوُ الْقَلَمِ أَوْ غَلَطٌ فِي الْأَصْلِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَفَسَّرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ) أَرَادَ بِهِ صَاحِبَ النِّهَايَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ بَاعَ غَيْرَ الْمَنْقُولِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا صَلَاحُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَوَاشِي ابْنِ فِرِشْتَا بَعْدَ أَنْ سَاقَ مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ غَيْرِ فِي قَوْلِهِ لَوْ بَاعَ غَيْرَ الْمَنْقُولِ زَائِدَةٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ قَالَ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَخْ ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ نَقَدَ الثَّمَنَ فَالْبَيْعُ الثَّانِي نَافِذٌ إلَخْ وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْمَنْقُولِ إذْ بَيْعُ الْعَقَارِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَهُ عَقِيبَ تَفْرِيغِ الْعَقَارِ تَوَهَّمَ الشَّارِحُ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَهَبَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>