الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ «كُنْت أَبْتَاعُ التَّمْرَ مِنْ بَطْنٍ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَأَبِيعُهُ بِرِبْحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ إذَا ابْتَعْت فَاكْتَلْ وَإِذَا بِعْت فَكِلْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَالْعَدَّ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ فَأَصْلُ الْقَبْضِ شَرْطٌ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَذَا تَمَامُهُ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ إذَا وَجَدَهُ أَكْثَرَ مِنْ كَيْلِ الْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ كَالَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ.
وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ مُذَارَعَةً وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ إذْ الذَّرْعُ وَصْفٌ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْتَحَقَ بِالْقَدْرِ فِي حَقِّ ازْدِيَادِ الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ الْمَبِيعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ الثَّوْبُ الْمُقَدَّرُ وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِالذَّرْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ رَدُّ الزِّيَادَةِ فِيمَا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَتَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ مِنْ الثَّمَنِ فِيمَا يَضُرُّهُ وَيَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ انْتِقَاضِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْزُونُ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِيهِمَا أَخْذُ مَعْنَى تَعْيِينِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَفِي غَيْرِهِمْ لَمْ يَأْخُذْهُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ ثَمَنًا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَأَنْ يَجُوزَ قَبْلَ تَمَامِهِ أَوْلَى فَصَارَ كَالْمَهْرِ الْمَكِيلِ فَإِذَا كَانَ كَيْلُ الْمَبِيعِ شَرْطًا لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ لَا يُعْتَبَرُ كَيْلُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْلِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَا كَيْلُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بِهِ يَصِيرُ مَعْلُومًا وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ صَاعَيْنِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ وَتَحَقَّقَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْمَعْدُودَ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْمَذْرُوعِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَالْمَذْرُوعِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَعْدُودَ الْمُتَقَارِبَ يُسَاوِي الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْفَسَادُ وَهُوَ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى جَوْزًا عَلَى أَنَّهُ أَلْفٌ فَوَجَدَهُ أَكْثَرَ يَرُدُّ الزَّائِدَ وَإِنْ وَجَدَهُ أَنْقَصَ سَقَطَ عَنْهُ الثَّمَنُ بِحِصَّتِهِ بِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِدَلِيلٍ يُوجِبُهَا وَهَذَا أَظْهَرُ وَلَوْ اشْتَرَى الْمَكِيلَ أَوْ الْمَوْزُونَ شِرَاءً فَاسِدًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَالْبَيْعُ الثَّانِي جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ فَصَارَ الْمَمْلُوكُ قَدْرَ الْمَقْبُوضِ لَا قَدْرَ الْمَذْكُورِ فِيهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ اسْتَقْرَضَ طَعَامًا بِكَيْلٍ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْكَيْلِ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَهَذَا الِاسْتِشْهَادُ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ الْكَيْلَ مَرَّتَيْنِ فِي الْمَبِيعِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْمَذْرُوعُ) أَيْ لَا يَحْرُمُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ الْمَذْرُوعِ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الذَّرْعِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الذَّرْعِ؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ لَهُ وَلَيْسَ بِقَدْرٍ فَيَكُونُ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي بِلَا زِيَادَةِ ثَمَنٍ وَلَا نُقْصَانٍ إنْ وَجَدَهُ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا هَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا وَإِنْ سَمَّى فَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَتَّى يَذْرَعَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لِلتَّصَرُّفِ الْمِلْكُ وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ فِيهِ الْمِلْكُ وَالنَّهْيُ وَرَدَ فِي الْمَبِيعِ لِاحْتِمَالِ غَرَرِ الِانْفِسَاخِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَبْضُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَقْبِضُ غَيْرَهُ مِثْلَهُ عَيْنًا فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِيهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ إذْ الْكُلُّ مُعَاوَضَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَنَأْخُذُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ ثَمَنًا) أَيْ بِأَنْ بَاعَ شَيْئًا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فِي الذِّمَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مُشَارًا إلَيْهِمَا فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَصُورَتُهُ رَجُلٌ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ أَنْ يَقْبِضَهُ قَضَاءً لَمْ يَكُنْ قَضَاءً وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ ثُمَّ اكْتَالَ لِنَفْسِهِ جَازَ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَبْسُوطِ اهـ.
(فَرْعٌ) اسْتَقْرَضَ ثُمَّ قَضَاهُ فَقَبَضَ الْمُقْرِضُ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ حَلَّ لَهُ التَّصَرُّفُ بِلَا كَيْلٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. اهـ. مُنْيَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا الْمَذْرُوعُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا الْمَذْرُوعَاتُ كَالثَّوْبِ وَالْعَقَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ اشْتَرَى مُجَازَفَةً أَوْ بِشَرْطِ الذَّرْعِ بِأَنْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ مَثَلًا فَقَبَضَهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الذَّرْعِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ خَلْطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ صِفَةٌ يُمْلِكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْأَثْمَانِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ الْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَنَحْوِهَا سِوَى الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَيْضًا ذَلِكَ فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ وَهُوَ مَعْلُولٌ بِغَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَثْمَانِ وَالدُّيُونِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ قَالَ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمَوْرُوثَ فِي الْمِلْكِ، وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ. اهـ. .