وَجْهٍ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ التَّفَاضُلِ كَمَا فِي الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: إنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مَكْبُوسَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ بَاعَ الدَّقِيقَ بِالدَّقِيقِ مُوَازَنَةً فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْمَقْصُودُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْآخَرُ وَهُوَ آيَةُ الِاخْتِلَافِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ يَجْمَعُهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَا بِالْحِنْطَةِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَعَدَمِ الْمُسَوِّي وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَصْلِ أَحَدِهِمَا بِأَصْلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمَقْلِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الْجُزْءَانِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إذْ الْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ وَبِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَقَاصِدِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا لَهُ كَأَصْلِ أَحَدِهِمَا مَعَ أَصْلِ الْآخَرِ أَوْ مَعَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَالْبُرِّ الْعَلِكِ مَعَ الْمُسَوَّسِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَمُجَرَّدُ اخْتِلَافِ الِاسْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَ الْإِنْسَانِ يَخْتَصُّ بِاسْمٍ كَالشَّابِّ وَالشَّيْخِ وَالطِّفْلِ وَنَحْوِهِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَبَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ بِالْمَقْلِيَّةِ وَالسَّوِيقِ بِالسَّوِيقِ مُتَسَاوِيًا جَائِزٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزَّيْتُونُ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ حَتَّى يَكُونَ الدُّهْنُ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْآخَرِ لِيَكُونَ قَدْرُهُ بِمِثْلِهِ وَالزَّائِدُ بِالثَّجِيرِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ بَيْنَهُمَا مَعْنًى بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِمَا وَإِنْ اخْتَلَفَا صُورَةً فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ شُبْهَةُ الْمُجَانَسَةِ وَالرِّبَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الدُّهْنُ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي فِي الْآخَرِ كَانَ الثَّجِيرُ بِلَا عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فَيَحْرُمُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ طَارِئٌ عِنْدَ وُجُودِ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَلَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ قُلْنَا: الْمُتَوَهَّمُ فِي الرِّبَا كَالْمُتَحَقِّقِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ الرِّبَا وَالرُّبْيَةِ وَهِيَ شُبْهَةُ الرِّبَا» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ وَلَا يُقَالُ: إنَّ السِّمْسِمَ مَكِيلٌ وَالدُّهْنَ مَوْزُونٌ فَكَيْفَ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَقْصُودُ مِنْهُ دُهْنُهُ وَهُوَ مَوْزُونٌ وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ مُتَفَاضِلًا كَيْلًا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ بِأَنْ يُصْرَفَ كُلُّ جِنْسٍ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ قُلْنَا ذَلِكَ يَتَأَتَّى فِي الْمُنْفَصِلِ خِلْقَةً دُونَ الْمُتَّصِلِ وَكَذَا.
بَيْعُ الْجَوْزِ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنِ بِسَمْنِهِ وَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ وَكُلُّ شَيْءٍ لِثِقَلِهِ قِيمَةٌ إذَا بِيعَ بِالْخَالِصِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِثِقَلِهِ قِيمَةٌ كَتُرَابِ الذَّهَبِ إذَا بِيعَ بِالذَّهَبِ أَوْ تُرَابِ الْفِضَّةِ إذَا بِيعَ بِالْفِضَّةِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي التُّرَابِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يُجْعَلُ بِإِزَائِهِ شَيْءٌ حَتَّى لَوْ جُعِلَ فَسَدَ لِرِبَا الْفَضْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْتَقْرَضُ الْخُبْزُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
تَبَايَعَا حِنْطَةً مَقْلِيَّةً بِمَقْلِيَّةٍ أَوْ دَقِيقَ حِنْطَةٍ بِدَقِيقِ حِنْطَةٍ أَوْ سَوِيقَ حِنْطَةٍ بِسَوِيقِ حِنْطَةٍ وَتَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ عَلَى هَذَا وَكَذَلِكَ إذَا تَبَايَعَا تَمْرًا بِتَمْرٍ كِلَاهُمَا عَتِيقٌ أَوْ كِلَاهُمَا حَدِيثٌ أَوْ أَحَدُهُمَا حَدِيثٌ وَالْآخَرُ عَتِيقٌ وَتَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ إذَا تَبَايَعَا عِنَبًا بِعِنَبٍ أَوْ زَبِيبًا بِزَبِيبٍ وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ أَوْ تَفَاضَلَا فَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا حِنْطَةً مَقْلِيَّةً بِغَيْرِ مَقْلِيَّةٍ أَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالدَّقِيقِ أَوْ الْحِنْطَةَ بِسَوِيقِ الْحِنْطَةِ أَوْ تَمْرًا مَطْبُوخًا بِتَمْرٍ غَيْرِ مَطْبُوخٍ أَوْ حِنْطَةً مَطْبُوخَةً بِحِنْطَةٍ غَيْرِ مَطْبُوخَةٍ فَلَا يَجُوزُ تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاضَلَا وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا تَمْرًا بِرُطَبٍ أَوْ رُطَبًا بِبُسْرٍ أَوْ عِنَبًا بِزَبِيبٍ فَتَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاضَلَا وَبَيْعُ الْكُفْرِيِّ بِالْبُسْرِ أَوْ الرُّطَبِ أَوْ التَّمْرِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرِيَّ عَدَدِيٌّ اهـ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ إنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ حَسَنٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ دَقِيقُ الْحِنْطَةِ بِسَوِيقِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَأَمَّا دَقِيقُ الْحِنْطَةِ بِسَوِيقِ الشَّعِيرِ وَعَكْسُهُ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا: يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ) أَيْ دَقِيقُ الْحِنْطَةِ وَسَوِيقُهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مُخْتَلِفَانِ) أَيْ وَإِنْ رَجَعَا إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ) أَيْ الْهَيْئَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَصْلِ أَحَدِهِمَا بِأَصْلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمَقْلِيَّةُ) أَيْ فَإِنَّ الْمَقْلِيَّةَ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَلَا لِلْهَرِيسَةِ وَلَا تُطْحَنُ فَيُتَّخَذُ مِنْهَا خُبْزٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَالْبُرِّ الْعَلِكِ مَعَ الْمُسَوَّسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحِنْطَةُ الْعَلِكَةُ الْجَيِّدَةُ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ طَعَامٌ عَلِكٌ مَتِينُ الْمَضْغَةِ وَالْحِنْطَةُ الْمُسَوِّسَةُ أَيْ الْمُدَوِّدَةُ يُقَالُ سَوَّسَ الطَّعَامُ إذَا دَوَّدَ مِنْ السُّوسِ وَهُوَ الدُّودُ وَقَالَ الْكَمَالُ الْعَلِكَةُ أَيْ الْجَيِّدَةُ السَّالِمَةُ مِنْ السُّوسِ وَمُسَوِّسَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ كَأَنَّهَا هِيَ سَوَّسَتْ أَيْ أَدْخَلَتْ السُّوسَ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ بِالْمَقْلِيَّةِ) قَالَ الْكَمَالُ فَأَمَّا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالْمَقْلِيَّةِ فَاخْتَلَفُوا قِيلَ: يَجُوزُ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقِيلَ: لَا وَعَلَيْهِ عَوَّلَ فِي الْمَبْسُوطِ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّارَ قَدْ تَأْخُذُ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يُقَالُ حِنْطَةٌ مَقْلِيَّةٌ مِنْ قَلَى يَقْلِي وَمَقْلُوَّةٌ مِنْ قَلَا يَقْلُو فَهُمَا إذَنْ لُغَتَانِ ذَكَرَهُمَا أَهْلُ اللُّغَةِ كَصَاحِبِ الْمُجْمَلِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا عُدَّ مَنْ طَعَنَ عَلَى أَصْحَابِنَا فِي اسْتِعْمَالِهِمْ بِالْيَاءِ مُخْطِئًا اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute