للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَفْسَخَهُ وَيُجِيزَهُ إنْ بَقِيَ الْعَاقِدَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَلَهُ وَبِهِ لَوْ عَرَضًا)

أَيْ لِلْمَالِكِ أَنْ يُجِيزَ الْعَقْدَ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى الْمُتَعَاقِدَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ لَهُ وَهُوَ الْمَالِكُ بِحَالِهِمْ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ وَيَقَعُ بَاطِلًا وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا يَتَوَقَّفُ كَشِرَاءِ الْعَبْدِ وَالصَّغِيرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَنْعَقِدُ تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ أَصْلًا وَلَا تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ بَاطِلَةً لِخُلُوِّهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ إذْ هِيَ بِالْمِلْكِ أَوْ بِتَوْكِيلِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَتَلْغُو؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوِلَايَةِ كَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ وَلَنَا حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ فَجَاءَ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَحَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَأَرْبَحَ فِيهَا دِينَارًا فَاشْتَرَى أُخْرَى مَكَانَهَا فَجَاءَ بِالْأُضْحِيَّةِ وَالدِّينَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ضَحِّ بِالشَّاةِ وَتَصَدَّقْ بِالدِّينَارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ بَيْعَهُ وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا لَرَدَّهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا فَيَنْعَقِدُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْمَحَلِّيَّةَ بِكَوْنِ الْمَالِ مُتَقَوِّمًا وَقَدْ وُجِدَا وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ نَفَذَهُ وَإِلَّا فَسَخَهُ بَلْ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ حَيْثُ يَسْقُطُ عَنْهُ مُؤْنَةُ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَقَرَارُ الثَّمَنِ وَسُقُوطُ رُجُوعِ حُقُوقِ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لِصَوْنِ كَلَامِهِمَا عَنْ الْإِلْغَاءِ فَتَثْبُتُ الْقُدْرَةُ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

أَنْتَ فُضُولِيٌّ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: مُنَاسَبَةُ هَذَا الْفَصْلِ بِبَابِ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا فَإِنَّ الْمَالَ فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ، ثُمَّ تَرْجَمَةُ الْفَصْلِ بِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لِكَوْنِهِ أَبْيَنَ أَحْسَنُ مِنْ تَرْجَمَتِهِ بِبَابِ بَيْعِ عَبْدِ الْغَيْرِ كَمَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرَتَّبُ، ثُمَّ الْفُضُولِيِّ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ خَطَأٌ وَهِيَ نِسْبَةٌ لِفُضُولٍ جَمْعُ الْفَضْلِ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ وَقَدْ غَلَبَ جَمْعُهُ عَلَى مَا لَا خَيْرَ فِيهِ حَتَّى قِيلَ:

فُضُولٌ بِلَا فَضْلٍ وَسِنٌّ بِلَا سَنَا ... وَطُولٌ بِلَا طَوْلٍ وَعُرْضٌ بِلَا عِرْضٍ

اهـ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَيُسَمَّى مَنْ يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ فُضُولِيًّا وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ شَرْعِيٍّ كَالْأَجْنَبِيِّ يُزَوِّجُ أَوْ يَبِيعُ وَلَمْ يَرِدْ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْغَلَبَةِ كَالْعَلَمِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَصَارَ كَالْأَنْصَارِيِّ وَالْأَعْرَابِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَفْسَخَهُ وَيُجِيزَهُ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى الْمُتَعَاقِدَانِ) وَهُمَا الْبَائِعُ الْفُضُولِيُّ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ اهـ ع (قَوْلُهُ وَالْمَعْقُودُ لَهُ) أَيْ وَالْمَعْقُودُ بِهِ لَوْ عَرَضًا اهـ مَتْنٌ وَالْمَعْقُودُ بِهِ هُوَ الثَّمَنُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا يَنْعَقِدُ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَيَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فَإِنْ أَجَازَهُ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَإِلَّا يَبْطُلُ التَّصَرُّفُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ) مَحَلُّ تَأَمُّلٍ تَأَمَّلْ تَدْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَنْعَقِدُ تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ فُقِدَا وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَنَا أَنَّهُ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ وَقَدْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِلْمَالِكِ مَعَ تَخَيُّرٍ قَالَ الْكَمَالُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِ إلَى الْخَاصِّ كَحَرَكَةِ الْإِعْرَابِ وَالْإِضَافَةُ فِي مِثْلِهِ بَيَانِيَّةٌ أَيْ تَصَرُّفٌ هُوَ تَمْلِيكٌ وَحَرَكَةٌ هِيَ إعْرَابٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ هُنَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ تَتَوَقَّفُ عِنْدَنَا إذَا صَدَرَتْ وَالْمُتَصَرِّفُ مُجِيزٌ أَيْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ كَانَ تَمْلِيكًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ أَوْ إسْقَاطًا حَتَّى لَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَأَجَازَ طَلُقَتْ وَانْعَتَقَ وَكَذَا سَائِرُ الْإِسْقَاطَاتِ لِلدُّيُونِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ اهـ وَقَوْلُهُ وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَالَ الْكَمَالُ: وَقَوْلُك وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ إنْ أَرَدْت لَا انْعِقَادَ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَضُرُّ وَإِنْ أَرَدْت لَا انْعِقَادَ عَلَى وَجْهِ التَّوَقُّفِ إلَى أَنْ يَرَى الْمَالِكُ مَصْلَحَتَهُ فِي الْإِجَازَةِ فَيُجِيزُ فِعْلَهُ أَوْ عَدَمَهَا فَيُبْطِلَهُ مَمْنُوعٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الدَّلِيلُ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ وَهُوَ تَحَقُّقُ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدِ وَالْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَا مَانِعٍ شَرْعِيٍّ فَيَدْخُلُ ثُبُوتُهُ فِي الْعُمُومَاتِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَقَالَ) أَيْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَتِك». اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْمَحَلِّيَّةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: لِأَنَّ مَحَلَّ الْبَيْعِ بِكَوْنِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ الْبَيْعِ هُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ لَا الْمَالُ الْمَمْلُوكُ وَقَدْ وُجِدَ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ، ثُمَّ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَرَارُ الثَّمَنِ) أَيْ وَنَفَاقُ سِلْعَتِهِ وَرَاحَتُهُ فِيهَا وَوُصُولُهُ إلَى الْبَدَلِ الْمَطْلُوبِ لَهُ الْمَحْبُوبِ وَالْمُشْتَرِي وُصُولُهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ وَدَفْعُهَا بِالْمَبِيعِ وَارْتِفَاعُ أَلَمِ فَقْدِهَا إذَا كَانَ مُهِمًّا لَهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَسُقُوطٌ) ثَابِتٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي إسْقَاطُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ) الْعَاقِدُ بِصَوْنِ كَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَالْإِهْدَارِ بَلْ وَحُصُولُ الثَّوَابِ لَهُ إذَا نَوَى الْخَيْرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى حُصُولِ الرِّفْقِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ اهـ كَمَالٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>