للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ بَيَّنَ الذِّرَاعَ وَالصِّفَةَ وَالصَّنْعَةَ)

؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَإِنْ كَانَ ثَوْبُ حَرِيرٍ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي الْحَيَوَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ إذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ وَالسِّنَّ وَالنَّوْعَ وَالصِّفَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا» وَلِأَنَّ بَعْدَ بَيَانِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَوْصَافِ الْجَهَالَةُ تَقِلُّ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ» وَلِأَنَّهُ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي الْجِنْسِ وَالسِّنِّ وَتَتَفَاوَتُ قِيمَتُهُمَا لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالْكِيَاسَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالْخَلْقِ وَالسِّيرَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالشِّدَّةِ قَالَ قَائِلُهُمْ

أَلَا رُبَّ فَرْدٍ يَعْدِلُ الْأَلْفَ زَائِدًا ... وَأَلْفٍ تَرَاهُمْ لَا يُسَاوَوْنَ وَاحِدًا

وَكَذَا سَائِرُ الْحَيَوَانِ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَمَا فِي الْخَلِفَاتِ وَالْجَوَاهِرِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ مَصْنُوعُ الْعِبَادِ وَالْعَبْدُ إنَّمَا يَصْنَعُ بِآلَةٍ فَإِنْ اتَّحَدَتْ الْآلَةُ وَالصَّانِعُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ وَالتَّفَاوُتُ الْيَسِيرُ بَعْدَهُ لَا يَضُرُّ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَعْجَلَ فِي الصَّدَقَةِ، ثُمَّ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِهَا فَرَدَّهَا رُبَاعِيًّا أَوْ اسْتَقْرَضَ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حَقٌّ مَجْهُولٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَجِبُ لَهُ حَقٌّ مَجْهُولٌ.

وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اشْتَرَى بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذْ لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ حَتَّى الْعَصَافِيرِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَطْرَافُهُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ كَالرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ وَعَدَمِ الضَّابِطِ، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَمَا فِي اللَّحْمِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ هُوَ اللَّحْمُ دُونَ الْعَظْمِ وَالْعَظْمُ فِي الرُّءُوسِ وَفِي الْأَكَارِعِ أَكْثَرُ مِنْ اللَّحْمِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلَّحْمِ فَبَقِيَ مُعْتَبَرًا وَلَا يُدْرَى قَدْرُهُ فَيَصِيرُ قَدْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ اللَّحْمُ مَجْهُولًا وَأَمَّا الْعَظْمُ الَّذِي فِي اللَّحْمِ فَقَلِيلٌ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ تَبَعًا لِلَّحْمِ لِقِلَّتِهِ كَمَا فِي عَظْمِ الْأَلْيَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجُلُودُ عَدَدًا) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَكَذَا فِي الْوَرَقِ لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ فِيهِمَا ضَرْبًا مَعْلُومًا وَطُولًا وَعَرْضًا وَصِفَةً مَعْلُومَةً مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِإِمْكَانِ ضَبْطِهِمَا وَكَذَا إذَا كَانَا يُبَاعَانِ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا بِالْوَزْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَالْحَطَبُ حُزَمًا وَالرُّطْبَةُ جُرَزًا)؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ طُولُهُ وَغِلَظُهُ حَتَّى لَوْ عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ الْحَبْلَ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَطَبُ وَالرَّطْبَةُ وَبَيَّنَ طُولَهُ وَضُبِطَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ جَازَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَوْهَرُ وَالْخَرَزُ)؛ لِأَنَّ آحَادَهَا مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّتِي تُبَاعُ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُسْتَهْلِكُهَا الْمِثْلَ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ مَصْنُوعُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ يَصْنَعُ بِآلَةٍ فَإِذَا اتَّحَدَ الصَّانِعُ وَالْآلَةُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا قَلِيلُ تَفَاوُتٍ وَقَدْ يُتَحَمَّلُ قَلِيلُ التَّفَاوُتِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلَا يُحْتَمَلُ فِي الِاسْتِهْلَاكَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ لَوْ بَاعَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ كَانَ مُتَحَمَّلًا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا يَسِيرًا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ بَيَّنَ الذِّرَاعِ) أَيْ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ اهـ (قَوْلُهُ وَالصِّفَةُ) أَيْ بِأَنَّهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى مُلْحَمًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّنْعَةُ) أَيْ بِأَنَّهُ عَمَلُ الشَّامِ أَوْ الرُّومِ أَوْ نَحْوِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ ثَوْبَ حَرِيرٍ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْوَزْنِ فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ إذَا كَانَ يَبْقَى التَّفَاوُتُ بَعْدَ ذِكْرِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ فَإِنَّ الدِّيبَاجَ كُلَّمَا ثَقُلَ وَزْنُهُ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَالْحَرِيرُ كُلَّمَا خَفَّ وَزْنُهُ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ) قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ عَيَّنَ الذُّرْعَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَزْنَ هَلْ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَرِيرِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ بِشَرْطٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُشْتَرَطُ وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ سَائِرِ الثِّيَابِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوَزْنُ مَعَ الذَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ كَمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَلَا كَذَلِكَ الْكِرْبَاسُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا فِي الْحَيَوَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ السَّلَمَ بَاطِلٌ فِي الْحَيَوَانِ عِنْدَنَا اهـ وَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ: يَجُوزُ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِذَا اتَّحَدَتْ الْآلَةُ وَالصَّانِعُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ) أَيْ وَلَيْسَ الْحَيَوَانُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ فِيهِ يَحْدُثُ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْعِبَادِ بِلَا آلَةٍ وَلَا مِثَالَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشْتَرَى بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: قَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْحَيَوَانَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قُلْت: قَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا أَنَّ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ نَسِيئَةً فَعُلِمَ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَلَمَّا وَرَدَ أَصْلَانِ مُتَعَارِضَانِ وَفَّقْنَا بَيْنَهُمَا فَقُلْنَا: إنَّ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ لَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَمَا لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالتَّزْوِيجِ أَوْ الْخُلْعِ عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ أَوْ أَمَةٍ وَسَطٍ قِيَاسًا عَلَى إبِلِ الدِّيَةِ وَغُرَّةِ الْجَنِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَطَبُ حُزَمًا وَالرُّطْبَةُ جُرَزًا إلَخْ) وَنُقِلَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ شَرْحِ الشَّافِي فَقَالَ: وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْقَتِّ وَزْنًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْجَوْهَرُ وَالْخَرَزُ إلَخْ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>