للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَهُ شَبَهٌ بِالْمَبِيعِ حَتَّى لَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ الْقَبْضِ فِيهِ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ كَالْمَبِيعِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَشْتَرِ) رَبُّ الْمَالِ (مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا) يَعْنِيَ قَبْلَ قَبْضِهِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِك» أَيْ إلَّا سَلَمَك حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ رَأْسَ مَالِك حَالَ انْفِسَاخِهِ فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَبِيعًا لِسُقُوطِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُجْعَلَ رَأْسُ الْمَالِ مَبِيعًا وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا كَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَارَ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَهَا فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَمَّا صَارَتْ بَيْعًا جَدِيدًا مِنْ وَجْهٍ كَانَ حُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهَا كَحُكْمِهِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ السَّلَمُ تَنْزِيلًا لِلْخَلَفِ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِ فَيَحْرُمُ اسْتِبْدَالُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ كَمَا كَانَ يَحْرُمُ قَبْلَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَهَا كَمَا كَانَ يَجِبُ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَيْسَتْ بِبَيْعٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا جَازَ إبْرَاؤُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ قَبْلَهَا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ السَّلَمُ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لَمْ يَصِحَّ وَصَحَّ لَوْ قَرْضًا أَوْ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ لَهُ، ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكِيلَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ هُنَا صَفْقَتَانِ صَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَصَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ رَبِّ السَّلَمِ كِلَاهُمَا بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ قَضَاءً لِلصَّفْقَتَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْبَائِعِ قَضَاءً بِحَقِّهِ فَلَمْ يَصِحَّ وَوُجِدَ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِقَبْضِهِ لَهُ بِأَنْ يَكِيلَهُ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ بِالْكَيْلِ ثَانِيًا فَلِهَذَا جَازَ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» وَمَحْمَلُهُ عَلَى مَا إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ فِيهِ وَأَمَّا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُكْتَفَى بِالْكَيْلِ فِيهِ مَرَّةً فِي الصَّحِيحِ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ تَقَايَلَا إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَتَقَايَلَا السَّلَمَ فَأَرَادَ رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ، اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْإِقَالَةَ فِي السَّلَمِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ تَجُوزُ إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ جُزْءًا مَعْلُومًا كَالنِّصْفِ وَنَحْوِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ رَأْسَ مَالِكَ حَالَ انْفِسَاخِهِ) فَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَالْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالشَّرْعُ ثَالِثٌ وَعُرِفَ أَنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ إلَى الْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ) أَيْ لَمَّا كَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِهِ) أَيْ بِالْإِقَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا أَوْ أَرْبَعُونَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَالْقَفِيزُ ثَمَانِي مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ أَنْ يَقْبِضَهُ قَضَاءً عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَاقْتَضَاهُ رَبُّ السَّلَمِ بِأَنْ اكْتَالَهُ مَرَّةً وَحَازَهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا حَقَّهُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيُطَالِبُهُ رَبُّ السَّلَمِ بِحَقِّهِ، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ أَيْ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ أَيْ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، ثُمَّ اكْتَالَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِنَفْسِهِ صَارَ مُقْتَضِيًا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ صَفْقَتَانِ لِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِي فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْمُرَابَحَةِ حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ مَا سُمِّيَ فِيهِ وَهُوَ الْكُرُّ وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَيْلِ فَكَانَ الْكَيْلُ مُعَيِّنًا لِلْمُسْتَحِقِّ بِالْعَقْدِ وَهَذَانِ عَقْدَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيرِ مُقْتَضَى كُلِّ عَقْدٍ عَلَيْهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّانِيَ لَوْ كَالَهُ فَزَادَ لَمْ تَطِبْ لَهُ الزِّيَادَةُ وَوَجَبَ رَدُّهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَالَهُ لِنَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَقَبَضَهُ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكِيلَهُ إقَامَةً لِحَقِّ الْعَقْدِ الثَّانِي، وَالصَّفْقَتَانِ شِرَاءُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ بَائِعِهِ الْكُرَّ وَالصَّفْقَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يَصِيرُ بَائِعًا مِنْ رَبِّ السَّلَمِ مَا اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ عَيْنَ حَقِّهِ فَإِنَّهُ دَيْنٌ وَهَذَا عَيْنٌ قَاصَصَهُ بِهِ وَقَدْ أَخَذُوا فِي صِحَّةِ الْأَمْرِ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ، ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ وَعِنْدِي لَيْسَ هَذَا بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّتَيْنِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ: اقْبِضْ الْكُرَّ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ عَنْ حَقِّك فَذَهَبَ فَاكْتَالَهُ، ثُمَّ أَعَادَ كَيْلَهُ صَارَ قَابِضًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِالْكَيْلِ الْأَوَّلِ بَلْ بِالْكَيْلِ الثَّانِي فَلَمَّا قَالَ لَهُ: اقْبِضْهُ عَنْ حَقِّك وَالْمُخَاطَبُ يَعْلَمُ أَنَّ طَرِيقَ صَيْرُورَتِهِ قَابِضًا لِنَفْسِهِ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّةً لِلْقَبْضِ عَنْ الْآمِرِ وَثَانِيًا لِيَصِيرَ هُوَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ فَقَبِلَ ذَلِكَ صَارَ قَابِضًا حَقَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَافْعَلْ مَا تَصِيرُ بِهِ قَابِضًا وَلَفْظُ الْجَامِعِ يُفِيدُ مَا قُلْنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ فَاكْتَالَهُ، ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ جَازَ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إلَخْ مَا نَصُّهُ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ ثَانِيًا اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَحْمَلُهُ) أَيْ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>