الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ» فَلَفْظُ الرُّخْصَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبَاحَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِلَابِ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ وَشُرَطَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، أَوْ قَابِلًا لِلتَّعْلِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالْفَهْدِ، وَالسِّبَاعِ، وَالطُّيُورِ)؛ لِأَنَّهَا حَيَوَانٌ يَجُوز الِانْتِفَاعُ بِهَا شَرْعًا وَتَقْبَلُ التَّعْلِيمَ عَادَةً فَجَازَ بَيْعُهَا، وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ مُنْتَفَعٍ بِهِ شَرْعًا فِي الْحَالِ، أَوْ فِي الْمَآلِ وَلَهُ قِيمَةٌ نَحْوَ الْجَحْشِ، وَالطِّفْلِ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبَّةِ قَمْحٍ وَنُقْطَةِ مَاءٍ وَكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا؛ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَالْفِيلُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَمْلًا وَرُكُوبًا وَفِي بَيْعِ الْقِرْدِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّلَهِّي، وَهُوَ مَحْظُورٌ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَالْهِرُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا الْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي بَيْعِ غَيْرِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ فَيَحْتَاجُونَ إلَى تَبْقِيَةِ أَنْفُسِهِمْ لِيَتَحَمَّلُوا أَعْبَاءَ التَّكَالِيفِ كَالْمُسْلِمِينَ فَيُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ الْأَسْبَابُ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ تَحَمُّلِهَا بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ لِتَحْصِيلِ مَا تَبْقَى بِهِ الْأَنْفُسُ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمْ عُذْرٌ فِي تَضْيِيعِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ مَا جَازَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ كَالصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ جَازَ لَهُمْ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الرِّبَا وَغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إلَّا فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّ عَقْدَهُمْ فِيهِمَا كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ، وَالشَّاةِ فَيَجُوزُ فِيهِمَا مَا جَازَ فِيهِمَا مِنْهُ مِنْ السَّلَمِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ مَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا أَمْوَالٌ نَفِيسَةٌ عِنْدَهُمْ فَيُلْحَقَانِ بِنَظِيرِهِمَا مِنْ أَمْوَالِنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ إلَّا لِذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْخَمْرِ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فَصَارَ إجْمَاعًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً سِوَى الْأَلْفِ فَبَاعَ صَحَّ بِأَلْفٍ وَبَطَلَ الضَّمَانُ، وَإِنْ زَادَ مِنْ الثَّمَنِ، فَالْأَلْفُ عَلَى زَيْدٍ، وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ) يَعْنِي زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِأَنْ قَالَ بِعْ عَبْدَك
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: حِينَ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ) أَيْ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِي الضِّيفَانَ وَالْغُرَبَاءَ فَنُهُوا عَنْ اقْتِنَائِهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا وَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا تَحْقِيقًا لِلزَّجْرِ عَنْ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِلَابِ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ بَيْعُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ جَائِزٌ مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالنَّمِرِ وَالْأَسَدِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِيضَاحِ وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ مِنْ مَسَائِلِ الْفَضْلِ بْنِ غَانِمٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أُجِيزُ بَيْعَ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَلَا أُجِيزُ بَيْعَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَفِي الْكَيْسَانِيَّاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ قَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ الْجَوَازِ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَى لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ بَلْ لِلتَّلَهِّي وَهُوَ حَرَامٌ فَكَانَ بَيْعَ الْحَرَامِ لِلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الرِّبَا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا سَلَمٌ فِي حَيَوَانٍ وَلَا نَسِيئَةٌ فِي صَرْفٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إلَّا فِي الْخَمْرِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ صَارُوا كَالْمُسْلِمِينَ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ إلَّا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُمْ أُقِرُّوا بِعَقْدِ الْأَمَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَالًا لَهُمْ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُمْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَفِيهِ نَقْضُ الْأَمَانِ، وَالرِّبَا مُسْتَثْنًى فِي عُهُودِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ عَقْدُ الْأَمَانِ قَالَ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: ١٦١] وَرُوِيَ فِي الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ فِي عُهُودِهِمْ وَمَنْ أَرْبَى، فَلَا عَهْدَ لَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا) حَدَّثَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فِي فَصْلِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ سَمِعْت سُوَيْد بْنَ غَفَلَةَ يَقُولُ حَضَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ عُمَّالُهُ فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَأْخُذُونَ فِي الْجِزْيَةِ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْخَمْرَ فَقَالَ بِلَالٌ أَجَلْ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ: فَلَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ وَلَّوْا أَرْبَابَهَا بَيْعَهَا وَخُذُوا الثَّمَنَ مِنْهُمْ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْخَرَاجِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الرِّبَا وَلَا بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْحَيَوَانِ وَالدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا النَّسِيئَةُ وَلَا الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ إذَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا هُمْ فِي الْبُيُوعِ كُلِّهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِسْلَامِ مَا خَلَا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَلَا أُجِيزُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بَيْعَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَأَمَّا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَإِنِّي أُجِيزُ بَيْعَهُمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمَا أَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَأَدَعُ الْقِيَاسَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الْأَثَرِ الَّذِي جَاءَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَنْ نَحْوِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَبَطَلَ الضَّمَانُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ عَلَى الْبَيْعِ لِعَدَمِ الْمُقَابَلَةِ بِالْمَبِيعِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ) أَيْ لِأَنَّهُ صَيَّرَ نَفْسَهُ ضَامِنًا حَيْثُ قَالَ مِنْ الثَّمَنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ مَا نَصُّهُ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَطْلُبَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ شِرَاءَ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَبِيعُ إلَّا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرْغَبُ فِيهِ إلَّا بِأَلْفٍ فَيَجِيءُ آخَرُ فَيَقُولُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ بِعْ عَبْدَك هَذَا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ فَيَقُولُ صَاحِبُ الْعَبْدِ بِعْت كَذَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ إبَاءٌ وَلَا مُسَاوَمَةٌ