للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا فِي الشَّرْعِ، وَفِي اللُّغَةِ لَهُ تَفْسِيرَانِ: أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ قَالَهُ الْخَلِيلُ وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّطَوُّعُ مِنْ الْعِبَادَاتِ صَرْفًا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» أَيْ لَا نَفْلًا وَلَا فَرْضًا وَسُمِّيَ هَذَا الْبَيْعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ إلَّا الزِّيَادَةُ، وَالثَّانِي النَّقْلُ، وَالرَّدُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة: ١٢٧] وَسُمِّيَ بِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى النَّقْلِ فِي بَدَلَيْهِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ تَجَانَسَا شُرِطَ التَّمَاثُلُ، وَالتَّقَابُضُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَصِيَاغَةً، وَإِلَّا شُرِطَ التَّقَابُضُ) يَعْنِي إذَا بِيعَ جِنْسُ الْأَثْمَانِ بِجِنْسِهِ كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، أَوْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسَاوِي، وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ.

وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ، وَالصِّيَاغَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ» إلَى أَنْ قَالَ «مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إلَى أَنْ قَالَ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَلَا تُنْظِرْهُ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْآخَرِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى عَرْضِ التَّوَى دُونَهُ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَصُوغِ، وَالتِّبْرِ، أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ خِلْقَةً.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْقَبْضِ هَلْ هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ، أَوْ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ فَقِيلَ: هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ مَقْرُونًا بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّ حَالَهُمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جُعِلَتْ كَحَالَةِ الْعَقْدِ تَيْسِيرًا فَإِذَا وُجِدَ الْقَبْضُ فِيهِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ وُجِدَ حَالَةَ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ وَقِيلَ: هُوَ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَقْبِضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ نَامَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

صَرَّافٌ وَصَيْرَفٌ وَصَيْرَفِيٌّ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّرْفِ النَّقْلِ لِأَنَّ مَا فَضَلَ صَرْفٌ عَلَى النُّقْصَانِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْأَثْمَانِ صَرْفًا إمَّا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى عَاقِدِهِ طَلَبُ الْفَضْلِ وَالزِّيَادَةِ أَوْ لِاخْتِصَاصِ هَذَا الْعَقْدِ بِنَقْلِ كِلَا الْبَدَلَيْنِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ اهـ.

(قَوْلُهُ: قَالَهُ الْخَلِيلُ) قَالَ الْخَلِيلُ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ الصَّرْفُ فَضْلُ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ فِي الْقِيمَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّطَوُّعُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا قَوْلُهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي فَائِقِهِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذِكْرِ الْمَدِينَةِ «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» فَقَالَ الصَّرْفُ التَّوْبَةُ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لِلنَّفْسِ إلَى الْبِرِّ عَنْ الْفُجُورِ وَالْعَدْلُ الْقُرْبَةُ مِنْ الْمُعَادَلَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ الصَّرْفُ الْفَرِيضَةُ وَالْعَدْلُ النَّافِلَةُ وَقَالَ قَوْمٌ الصَّرْفُ الْوَزْنُ وَالْعَدْلُ الْكَيْلُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَمْهَرَةِ اهـ.

مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ مِنْ إحْدَاثِ الْحَدَثِ فِعْلُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ اهـ.

وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّطَوُّعُ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ اعْتِرَاضَ الْأَتْقَانِيِّ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي تَفْسِيرِ الصَّرْفِ بِالنَّافِلَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْجَمْهَرَةِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ الصَّرْفُ الْفَرِيضَةُ وَالْعَدْلُ النَّافِلَةُ وَفِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمْ الصَّرْفُ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفَرِيضَةُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ الْأَنْسَبُ اهـ (قَوْلُهُ: مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ اللَّهِ (قَوْلُهُ: وَلَا عَدْلًا) الْمُرَادُ بِالْعَدْلِ الْفَرْضُ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ فِي (قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ) أَيْ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا يُقَابِلُهُمَا مِنْ نَحْوِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالثَّوْبِ فِي دَفْعِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَخْ) رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ لَا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ لَا يُبَاعُ مِنْهَا غَائِبٌ بِنَاجِزٍ فَإِنِّي أَخَافُ الرَّمَّاءَ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَلَا تُنْظِرْهُ وَالرَّمَّاءُ بِالْمَدِّ بِمَعْنَى الرِّبَا. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ) أَيْ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي الْقَبْضِ لِأَنَّ خِلْقَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلثَّمَنِيَّةِ وَإِنْ كَانَا مِمَّا يَتَعَيَّنَانِ كَالتِّبْرِ وَالْمَصُوغِ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ خِلْقَةً) أَخْرَجَ مَا هُوَ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ كَالْفُلُوسِ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ يَكْفِي التَّقَابُضُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ نَامَا إلَخْ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ لَمْ يَكُنْ فُرْقَةً وَلَوْ نَامَا مُضْطَجِعَيْنِ كَانَ فُرْقَةً وَلَا يَجُوزُ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَنْفِي اسْتِحْقَاقَ الْقَبْضِ وَلَا الْأَجَلُ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْقَبْضَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ فَإِنْ أَسْقَطَاهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِتَعَلُّقِ الصِّحَّةِ بِعَدَمِ الِافْتِرَاقِ لَا يَبْطُلُ لَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا أَوْ طَالَ قُعُودُهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعْلُ الصَّرْفِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ يَبْطُلُ بِدَلِيلِ الْإِعْرَاضِ كَالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ نَامَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ فُرْقَةٌ وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ، فَلَا، وَعَنْهُ الْقُعُودُ الطَّوِيلُ فُرْقَةٌ دُونَ الْقَصِيرِ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>