غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ قُرْآنًا؛ لِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُنَزَّلَ هُوَ الْمَعْنَى عِنْدَهُ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ النَّظْمُ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِعْجَازُ وَقَعَ بِهِمَا جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ النَّظْمَ رُكْنًا لَازِمًا فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً رُخْصَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَالَةِ الْإِعْجَازِ وَقَدْ جَاءَ التَّخْفِيفُ فِي حَقِّ التِّلَاوَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» فَكَذَا هُنَا.
وَالْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إذَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ حَتَّى إذَا قَرَأَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَلَا يَجُوزُ بِالتَّفْسِيرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا) أَيْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الذِّكْرُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي) أَيْ لَا يَكُونُ شَارِعًا بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يُرِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ مُسْتَفْتِحًا) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ سُنَّةُ الْقِيَامِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرٌ حَتَّى يَضَعَ كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ وَفِي الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجَنَائِزِ وَلَا يَضَعُ فِي الْقَوْمَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا حَتَّى يَضَعَ فِي الْكُلِّ وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ حَتَّى لَا يَضَعَ حَالَةَ الثَّنَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْوَضْعِ قِيلَ يَضَعُ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ وَضْعَهَا عَلَى الْمِفْصَلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْبِضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى رُسْغِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضَعُهَا كَذَلِكَ وَيَكُونُ الرُّسْغُ وَسَطَ الْكَفِّ وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفِيدِ يَأْخُذُ رُسْغَهَا بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَخْذِ الْوَضْعُ وَلَا يَنْعَكِسُ.
وَقَوْلُهُ مُسْتَفْتِحًا هُوَ حَالٌ مِنْ الْوَاضِعِ أَيْ يَضَعُ قَائِلًا سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَضُمُّ إلَيْهِ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْتِي بِالتَّوَجُّهِ فَقَطْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ وَجَّهْت وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ؛ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّهَجُّدِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ نُسِخَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: ٤٨] قَالُوا يَقُولُ حِينَ يَقُومُ لِلصَّلَاةِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَا ثَنَاءٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ أَوْلَى مِنْ إخْبَارِ حَالِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ لَا يَشْتَغِلُ بِإِخْبَارِ حَالِهِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت أَوْ سَجَدْت وَإِنَّمَا يَشْتَغِلُ بِالتَّسْبِيحِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْقِيَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ» أَيْ مُتَحَيِّرِينَ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَزِيمَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعَوَّذَ سِرًّا لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ لَا الْمُقْتَدِي وَيُؤَخَّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ تَخْصِيصِ الْبَرْدَعِيِّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ») أَيْ لُغَاتٍ (قَوْلُهُ: جَازَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا الشُّرُوعُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ الْقِرَاءَةُ بِهَا فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ تَعَالَى غَيْرَ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ؛ وَلِأَنَّهُ كَلَامُ النَّاسِ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا بَدَّلَ لَفْظًا عَرَبِيًّا بِلَفْظٍ عَجَمِيٍّ يُمَاثِلُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَلَا يَضَعُ فِي الْقَوْمَةِ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ الْإِرْسَالُ فِي الْقَوْمَةِ بِنَاءً عَلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنَّ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا بَلْ فِي نَفْسِ الِانْتِقَالِ إلَيْهَا لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ النُّصُوصِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ قَلَّمَا يَقَعُ التَّحْمِيدُ إلَّا فِي الْقِيَامِ حَالَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ سُنَّةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمِفْصَلِ) أَيْ مِفْصَلِ الْأَصَابِعِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ: مُسْتَفْتِحًا إلَى آخِرِهِ) الْمُقْتَدِي هَلْ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنِّي لَا أَحْفَظُ فِيهِ رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنِّي أُثْنِي مَا لَمْ يَبْدَأْ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا يُجْهَرُ فِيهَا أَثْنَى وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَقْرَأُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجَهْرِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ النَّضْرِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يُثْنِي وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرُّكُوعِ، وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي وَعَنْ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ يَأْتِي. اهـ. صَفَوِيٌّ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ فَمِنْ الْكَاتِبِ وَهُوَ الصَّوَابُ لَا مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَبْدَةَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ يَرْوِيهِ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّهَجُّدِ) أَيْ التَّنَفُّلِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُؤْتِي فِيهِ بِمَا شَاءَ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَيُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا اُشْتُهِرَ وَلِذَا لَمْ يُؤْتَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُك فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَشَاهِيرِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَتَعَوَّذَ سِرًّا) وَانْتِصَابُ سِرًّا عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ تَعَوَّذَ تَعَوُّذًا سِرًّا. اهـ. ع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute