للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ لِلدَّيْنِ وُجُودًا بِدُونِهِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا حَيْثُ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْكَفِيلِ حَالَ وُجُودِ الْكَفَالَةِ فَانْصَرَفَ الْأَجَلُ إلَى الدَّيْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا رَبَّ الْمَالِ عَنْ أَلْفٍ عَلَى نِصْفِهِ بَرِئَا) أَيْ صَالَحَ الْأَصِيلُ، أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَنْ الْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَالْأَصِيلُ أَمَّا إذَا صَالَحَ الْأَصِيلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بِالصُّلْحِ بَرِئَ هُوَ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ فَلِأَنَّ إضَافَةَ الصُّلْحِ إلَى الْأَلْفِ إضَافَةً إلَى مَا عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَبْرَأُ الْأَصِيلُ عَنْ الدَّيْنِ ضَرُورَةَ إضَافَةِ الصُّلْحِ إلَى الْأَلْفِ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا بَرِئَا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ بِصُلْحِ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ، فَإِنْ أَدَّى الْكَفِيلُ الْخَمْسَمِائَةِ الْبَاقِيَةَ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِهَا إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ لِمَا عُرِفَ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ فِي الصُّلْحِ بَرَاءَتَهُمَا فَيَبْرَآنِ جَمِيعًا، أَوْ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَكَذَا الْحُكْمُ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، أَوْ شُرِطَ، أَوْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ لَا غَيْرُ فَيَبْرَأُ هُوَ وَحْدَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَالْأَلْفُ عَلَى حَالِهِ عَلَى الْأَصِيلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ) أَيْ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي يَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ مِنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْتَ إلَيَّ، أَوْ نَقَدْتنِي، أَوْ قَبَضْته مِنْك فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ الطَّالِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي بَرِئْت، أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِلْكَفِيلِ بَرِئْت، أَوْ أَبْرَأْتُك لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَرِئْت مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ إلَيَّ مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَرِئَ بِإِبْرَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَرِئَ بِالْأَدَاءِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ بِالشَّكِّ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْبَرَاءَةَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ الْبَرَاءَةَ إلَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَبْرَأَ إلَّا بِالْأَدَاءِ بِأَنْ يَضَعَ الْمَالَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ فَيَبْرَأُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الطَّالِبِ صُنْعٌ.

وَلِهَذَا لَوْ كَتَبَ وَقَالَ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِالْقَبْضِ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّكَّ لَا يُكْتَبُ عَادَةً إلَّا إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْإِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يُكْتَبُ وَقَوْلُهُ أَبْرَأْتُك ابْتِدَاءً إسْقَاطٌ لَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَيْفَ نَسَبَ الْفِعْلَ إلَى نَفْسِهِ، وَالْكَفِيلُ لَا يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِالْإِبْرَاءِ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى، أَوْ، وَهَبَهُ الطَّالِبُ عَلَى مَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ إلَخْ) نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي اهـ (قَوْلُهُ: مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ حَالًّا فَكَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ مُؤَجَّلًا بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَطَلَبَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ تَأْجِيلًا فِي حَقِّهِمَا اسْتِحْسَانًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ حَالٌّ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلٌ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ وُجِدَ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ خَاصَّةً فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ كَمَا لَوْ أَجَّلَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَضَافَ الْأَجَلَ إلَى نَفْسِ الدَّيْنِ فَتَكُونُ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مُؤَجَّلَةً وَلَنْ تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلَةً ابْتِدَاءً إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ التَّأْجِيلِ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ فَيَتَأَجَّلُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ فَيَتَأَجَّلُ فِي حَقِّهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ حَالًّا ثُمَّ أَجَّلَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لَا يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّأْجِيلَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ لَا إلَى الدَّيْنِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَانْصَرَفَ الْأَجَلُ إلَى الدَّيْنِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ قَرْضًا وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ اهـ.

تِبْيَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ الْكَفَالَةُ بِالْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ جَائِزَةٌ وَهُوَ حَالٌّ عَلَى الْأَصِيلِ وَمِثْلُهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَشَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَصِيرِيُّ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ تَأْجِيلِهِ عَلَى الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ فِرِشْتَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الرِّبَا اهـ. .

(قَوْلُهُ: ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ مَثَلًا لِلطَّالِبِ صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّتِي عَلَيَّ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ بَرِيئَانِ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ بَرِئَا جَمِيعًا وَالطَّالِبُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الصُّلْحُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَالْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا مِنْ الْأَصِيلِ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ رَجَعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ) أَيْ وَالطَّالِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ الْأَصِيلِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْكَفِيلِ خَمْسَمِائَةٍ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى إنْ كَانَ الصُّلْحُ بِأَمْرِهِ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) أَيْ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ وَالْمُتَكَلِّمُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ هُوَ الْمُنْتَهَى فِي هَذَا التَّرْكِيبِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مُبْتَدَأٌ وَلَيْسَ إلَّا الْكَفِيلُ الْمُخَاطَبُ فَأَفَادَ التَّرْكِيبُ بَرَاءَةً مِنْ الْمَالِ مُبْتَدَؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَمُنْتَهَاهَا صَاحِبُ الدَّيْنِ وَهَذَا مَعْنَى الْإِقْرَارِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ كَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَالْحَوَالَةُ كَالْكَفَالَةِ فِي هَذَا اهـ.

كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَفِي بَرِئْت أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثَ مَسَائِلَ اثْنَتَانِ لَا خِلَافَ فِيهِمَا وَهُمَا قَوْلُهُ بَرِئْت إلَيَّ أَوْ أَبْرَأْتُك اهـ.

(قَوْلُهُ: أَبْرَأْتُك ابْتِدَاءً إسْقَاطٌ لَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ) حَتَّى كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَصِيلَ بِهِ اهـ.

كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ اهـ.

غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الطَّالِبِ وَالْبَرَاءَةُ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِسْقَاطِ اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>