للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَعِتْقُ الْآخَرِ مُعَلَّقٌ بِأَدَائِهِ فَيُطَالِبُ الْمَوْلَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَ وَعَتَقَ الْآخَرُ تَبَعًا لَهُ كَمَا فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبِ، لَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِهِمَا حَتَّى انْقَسَمَ عَلَيْهِمَا فَصَارَتْ كَفَالَتُهُ بِمَا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَكَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ بِمَا عَلَيْهِ أَصَالَةً جَائِزَةٌ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصِيلًا فِي الْكُلِّ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِالْكُلِّ، وَلَا تَظْهَرُ الْكَفَالَةُ إلَّا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا حَتَّى تَكُونَ مُطَالَبَةُ الْمَوْلَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَقَعَ عَنْ كُلِّ الْبَدَلِ فَيَقَعُ نِصْفُ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ رَجَعَ بِالْكُلِّ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَتْ كِتَابَتُهُمَا لِأَنَّ عِتْقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَلَّقَ بِأَدَاءِ الْمَالِ عَلَى حِدَةٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى تَصْحِيحِهِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الطَّرِيقِ، ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا أَنْ يُكَاتِبَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِي أَنْ يُكَاتِبَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَحُكْمُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ وَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَالثَّالِثُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّهُمَا إنْ أَدَّيَا عَتَقَا، وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَعِنْدَ زُفَرَ جَوَابُ هَذَا مِثْلُ الْفَصْلِ الثَّانِي حَتَّى يَعْتِقَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَلْتَزِمْ بِالْقَبُولِ إلَّا حِصَّتَهُ وَلِهَذَا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ أَحَدَهُمَا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ، وَلَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْجَمِيعَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَوْلَى فِي الْعَقْدِ تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا شَرْعًا وَقَدْ شَرَطَ الْعِتْقَ عِنْدَ أَدَائِهِمَا جَمِيعَ الْمَالِ نَصًّا، فَلَوْ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِشَرْطِهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ زُفَرُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ هَذَا عِنْدَنَا كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلِهَذَا قُلْنَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَرَّرَ أَحَدَهُمَا أَخَذَ أَيًّا شَاءَ بِحِصَّةِ مَنْ لَمْ يُعْتِقْهُ) مَعْنَاهُ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ فِيمَا إذَا كَاتَبَهُمَا وَشَرَطَ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ صَحَّ الْعِتْقُ لِوُجُودِ الْمُصَحِّحِ لِلْعِتْقِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الرَّقَبَةِ وَبَرِئَ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ إلَّا لِيَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَلَمْ يَبْقَ وَسِيلَةً فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ وَيَبْقَى عَلَى صَاحِبِهِ حِصَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتِهِمَا وَإِنَّمَا جَعَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهُ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ وَإِذَا حَصَلَ لَهُ الْعِتْقُ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَاعْتُبِرَ مُقَابَلًا بِرَقَبَتَيْهِمَا فَيَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمَا ضَرُورَةً، فَإِذَا تَوَزَّعَ سَقَطَ حِصَّةُ الْمُعْتَقِ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَأْخُذُ بِحِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمُعْتَقَ بِالْكَفَالَةِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ صَاحِبَهُ بِالْأَصَالَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَخَذَ الْمُعْتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْآخَرَ لَا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَقِ أَصِيلٌ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ إذَا أَدَّى وَالْمُعْتَقُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْمُعْتَقُ كَفِيلًا عَنْهُ وَالْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ؟ قُلْنَا هَذَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الِابْتِدَاءِ كَفِيلًا فَقَطْ وَإِنَّمَا كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَقَدَّرْنَا الْكَفَالَةَ فِيهِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الْأَدَاءِ عَنْ صَاحِبِهِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ لِاسْتِغْنَائِهِ، فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْأَصَالَةِ فِيهِ فَبَقِيَ كَفِيلًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

عَنْ جَمِيعِ الْبَدَلِ فَيَقَعُ عَنْ صَاحِبِهِ نِصْفُ ذَلِكَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ الْبَدَلِ مَضْمُونٌ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْبَدَلِ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَسَقَطَ نِصْفُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتَيْهِمَا، وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ فَإِذَا ثَبَتَ عِتْقُ أَحَدِهِمَا اسْتَغْنَى عَنْ بَدَلِ رَقَبَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ) وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا هَذَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ) كَمَا لَوْ مَاتَ شُهُودُ النِّكَاحِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَرَادَ بِهِ إقْرَارَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ عِيَانًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ إلَّا فِي الْمُودَعِ الْمَحْجُورِ إذَا اسْتَهْلَكَهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا حَتَّى يَعْتِقَ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى يَعْتِقَ أَيْضًا فَهَذَا كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ فِي الْحُكْمِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَفِيلَ يُؤْخَذُ بِهِ حَالًّا، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ، وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَانَ مَحْجُورًا وَأَوْدَعَهُ إنْسَانٌ فَاسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ حَتَّى يَعْتِقَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ، وَهُوَ مَحْجُورٌ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِالْمَهْرِ حَتَّى يَعْتِقَ فَإِنْ كَفَلَ إنْسَانٌ بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ حَالًّا وَغَيْرَهُ فَهُوَ حَالٌّ أَمَّا صِحَّةُ الْكَفَالَةِ فَلِأَنَّ الْمَالَ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَصِيلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُطَالَبْ الْأَصِيلُ فِي الْحَالِ لِعُسْرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ لِصِحَّةِ سَبَبِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِهِ وَالْكَفِيلُ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ فَيُطَالَبُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ عَنْ مُطَالَبَةِ الْعَبْدِ وَهُوَ الْعُسْرُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عَنْ غَائِبٍ حَيْثُ تَصِحُّ وَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِهِ حَالًّا وَإِنْ عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَقَعَتْ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ مَالًا أَيْ مَالًا غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبْدِ أَدَاؤُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>