وَجْهَهُ أَجَازَ ذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْجَمْعُ بَيْنَ شُهُودِهِ وَخَصْمِهِ، ثُمَّ هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْلُ حُكْمٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى سِجِلًّا وَسَيَأْتِيك بَيَانُهُ، وَنَقْلُ شَهَادَةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَلَا يُقَالُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ يَحْتَاجُ الْقَاضِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَى تَعْدِيلِ الْأُصُولِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي بِلَادِ الْغُرْبَةِ وَيَتَعَسَّرُ نَقْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَيْضًا إذْ أَكْثَرُ النَّاسُ لَا يُحْسِنُونَ ذَلِكَ، وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي غُنْيَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ يُعَدِّلُ الشُّهُودَ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يُنْقَلُ كِتَابُهُ فَحَسْبُ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ بِزِيَادَةِ الِاحْتِمَالِ.
وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ كُلُّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالشُّفْعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَفَاةِ وَالْوِرَاثَةِ وَالْقَتْلِ إذَا كَانَ مُوجِبًا لِلْمَالِ وَالنَّسَبِ مِنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَالْغَصْبِ وَالْأَمَانَةِ الْمَجْحُودَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْمَجْحُودَةِ وَالْأَعْيَانِ الْمَنْقُولَةِ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولَةِ كَالْعَقَارِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَنْقُولِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهَا عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَى الدَّيْنِ وَأَمْثَالِهِ وَالْعَقَارُ يُعْرَفُ بِالْحُدُودِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِهِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَصَارَ كَالدَّيْنِ، وَفِي دَعْوَى النِّكَاحِ الْمَقْصُودُ نَفْسُ النِّكَاحِ لَا نَفْسُ الْمَرْأَةِ أَوْ نَفْسُ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا هُمَا كَالدَّائِنِ وَالْمَدِينِ وَالنِّكَاحُ كَالدِّينِ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْأَمَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَنْقُولَاتِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِيهِ وَلِتَعَذُّرِ دَفْعِ الْأَمَةِ إلَى رَجُلٍ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْمِلْكِ لِيَنْقُلَهَا إلَى الْكَاتِبِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا بِشَرَائِطِهِ وَهِيَ أَنْ يُكَلِّفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ وَهُوَ الْيَوْمُ فِي يَدِ فُلَانٍ وَيُعَرَّفُ الْعَبْدُ غَايَةَ التَّعْرِيفِ بِصِفَتِهِ وَاسْمِهِ وَسِنِّهِ وَقِيمَتِهِ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي وَيَذْكُرُ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْهِنْدِيَّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فُلَانٌ حِلْيَتُهُ كَذَا وَقَامَتُهُ كَذَا وَسِنُّهُ كَذَا وَقِيمَتُهُ كَذَا مِلْكُ فُلَانٍ الْمُدَّعِي هَذَا وَقَدْ أَبَقَ إلَى بَلْدَةِ كَذَا وَهُوَ الْيَوْمُ عِنْدَ فُلَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.
فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الْكَاتِبِ وَنَصَّهُ بِشُرُوطِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ سَلَّمَ الْعَبْدَ إلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ شَهِدُوا لَمْ يَشْهَدُوا بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَهُوَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْعُرُوضِ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَيْ يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا لِتَعَامُلِ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا بِشَرَائِطِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ يَخْتَصُّ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِشَرَائِطَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ فِي مَعْلُومٍ لِمَعْلُومٍ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ مِنْهُ مَعْلُومًا وَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ مَعْلُومًا وَالْمُدَّعَى بِهِ مَعْلُومًا وَالْمُدَّعِي مَعْلُومًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْلُومًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَوْضِعُهُ كِتَابُ الْإِبَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَأَرَادَ بِهَا بَيَانَ حِلْيَةِ الْعَبْدِ وَصِفَتِهِ وَنِسْبَتِهِ لِلَّذِي أَخَذَهُ وَالْخَتْمِ فِي عُنُقِهِ وَأَخْذِ الْكَفِيلِ.
وَحَاصِلُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ الَّذِي لَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَالدَّارِ وَالْعَقَارِ، وَأَمَّا الْمَنْقُولُ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ، وَالْآبِقُ إذَا أَبَقَ فَأُخِذَ فِي بَلْدَةٍ فَأَقَامَ صَاحِبُهُ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ عَبْدُهُ أَخَذَهُ فُلَانٌ فِي مِصْرِ كَذَا وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْحِلْيَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدِي وَزَكَّوْا أَنَّ عَبْدًا صِفَتُهُ كَذَا أَخَذَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَأَنَّهُ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَنَسَبَهُمَا إلَى أَبِيهِمَا وَإِلَى فَخِذِهِمَا وَيَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ اسْمُهُ وَاسْمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبُهُمَا، وَالْعِبْرَةُ لِلدَّاخِلِ لَا لِلْخَارِجِ، فَإِذَا جَاءَ الْكِتَابُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ يُسَلَّمُ الْعَبْدُ وَيُخْتَمُ فِي عُنُقِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إلَى الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَبِلَهُ وَقَضَى بِهِ وَسَلَّمَ الْعَبْدَ إلَى الَّذِي جَاءَهُ بِالْكِتَابِ وَأَبْرَأَ كَفِيلَهُ. إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَهَذَا الْكِتَابُ بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ يُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ قَبُولِ الْكِتَابِ فِي الْأَمَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ اهـ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى، وَلَوْ كَتَبَ اسْمَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَنَسَبَهُ وَلَمْ يَكْتُبْ اسْمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبَهُ، وَلَكِنْ كَتَبَ إلَى مَنْ بَلَغَ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ لَا يَجُوزُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَسَّعَ وَأَجَازَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ اسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبَهُ، ثُمَّ كَتَبَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ جَازَ فَإِنَّ كُلَّ قَاضٍ وَصَلَ إلَيْهِ عَمِلَ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُكْتَبْ فِي الْكِتَابِ التَّارِيخُ لَا يَقْبَلُهُ وَإِنْ كَتَبَ فِيهِ تَارِيخًا يُنْظَرُ هَلْ هُوَ كَانَ قَاضِيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ لَا؟ وَلَا يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا، وَكَذَا كَوْنُهُ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِمْ بِدُونِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَادِثَةِ وَلَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ.
إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا جَائِزٌ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا تُقْبَلُ وَقَالَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ وَيَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمِصْرَيْنِ أَوْ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute