للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَانَ لَهُ بِكَلَامِ الْمُدَّعِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَازِعٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الْخَصْمِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَزُكِّيَتْ بَيِّنَتُهُ، ثُمَّ غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ هُوَ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ إعَادَتِهَا.

وَكَذَا إذَا غَابَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَغَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ فَوَصَّى عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ الْبَيِّنَةَ فَيَبْطُلُ بِهِ دُونَ الْإِقْرَارِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ أَيْضًا، ثُمَّ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ قَدْ يَكُونُ بِإِنَابَتِهِ أَوْ بِإِنَابَةِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ، وَقَدْ يَكُونُ حَكَمًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ شَيْئًا وَاحِدًا مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ دَارًا فِي يَدِ إنْسَانٍ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ وَادَّعَى الْمُنْكِرُ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْ ادَّعَى فِي دَارٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ شُفْعَةً؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ، وَقَالَ ذُو الْيَدِ الدَّارُ دَارِي لَمْ أَشْتَرِهَا مِنْ أَحَدٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَ ائْبَ أَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا عَلَى أَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ الْغَائِبِ بِأَمْرِهِ فَأَقَرَّ الْحَاضِرُ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَيَثْبُتُ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَزِمَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ.

وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَيْهِمَا شَيْئَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الْقَاذِفُ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُ الْغَائِبَ قَدْ أَعْتَقَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَوْطًا أَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ عَبْدَانِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ مَوْلَاهُمَا أَعْتَقَهُمَا وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ تُقْبَلُ وَيَثْبُتُ الْعِتْقُ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّيْنِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ إذْ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الشَّهَادَةِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْحُرِّ وَحَدُّ الْحُرِّ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَحْرَارِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ شَرِيكَهُ الْغَائِبَ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ، وَقَالَ انْقَلَبَ نَصِيبِي مَالًا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْحَقَّيْنِ يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ بِنَقْلِ امْرَأَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ إلَيْهِ فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ طَلَّقَهَا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ الْيَدِ عَنْهُمَا فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَنْقُلَهُمَا، وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، فَلَا يَقَعَانِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ مَوْلَاهَا زَوَّجَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبِ الزَّوَاجِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَزَالَ الْعَيْبُ، وَلَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا لِمَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ يَتَضَرَّرُ بِالشَّرْطِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا إنَّك عَلَّقَتْ طَلَاقِي بِطَلَاقِ فُلَانٍ الْغَائِبِ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ تُقْبَلُ بِأَنْ قَالَتْ عَلَّقْتَ طَلَاقِي بِدُخُولِ فُلَانٍ الْغَائِبَ الدَّارَ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا تُقْبَلُ مُطْلَقًا كَمَا فِي السَّبَبِ مِنْهُمْ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي كَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى السَّبَبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ أَيْضًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْرِضُ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ وَيَكْتُبُ الصَّكَّ لَا الْوَصِيُّ وَالْأَبُ)؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ وَالْوَصِيُّ وَالْأَبُ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى ذَلِكَ فَيَضْمَنَانِ بِإِقْرَاضِ مَالِ الصَّغِيرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ تَبَرُّعٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ، فَلَا يَمْلِكَانِهِ وَلِأَنَّهُ بِإِقْرَاضِهِمَا يَكُونُ عَلَى شَرَفِ التَّوَى بِأَنْ يَجْحَدَ الْمُسْتَقْرِضُ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ وَتُرَدُّ شُهُودُهُ لِأَنَّ كُلَّ مُسْتَقْرِضٍ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ، وَلَا كُلَّ شَاهِدٍ مَقْبُولٌ، وَلَا كُلَّ قَاضٍ عَادِلٌ بِخِلَافِ إقْرَاضِ الْقَاضِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَغَابَ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي بَابِ الِاسْتِحْلَافِ، وَلَوْ أَقَرَّ وَغَابَ قَضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءُ إعَانَةٍ، وَلَوْ أُقِيمَ الْبَيِّنَةُ فَلَمْ تُزَكَّ فَغَابَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَزُكِّيَتْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَالَ غَيْبَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْجَرْحِ فِي الشُّهُودِ اهـ.

(قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ شَيْئًا وَاحِدًا مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ إلَخْ) وَفِي هَذَا الْقِسْمِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبَ) أَيْ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَإِنَّهُ قَضَى بِهَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الدَّارُ اهـ وَأَيْضًا فَمَا ادَّعَاهُ عَلَى الْغَائِبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ مَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبٌ لَا مَحَالَةَ لِمِلْكِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبَ) أَيْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَأَنَّهُ شَفِيعُهَا يَقْضِي بِالشِّرَاءِ فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَزِمَهُ) أَيْ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) أَيْ النَّوْعُ الثَّانِي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَمَسَائِلُهُ ثَلَاثٌ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَوْطًا) أَيْ فَتُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِب جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَمْكَنَ الْعِتْقُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَإِنْ ادَّعَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ حَدًّا كَامِلًا وَعَلَى الْغَائِبِ عِتْقًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعِتْقُ سَبَبًا لِثُبُوتِ مَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ الْحَدِّ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْعِتْقِ بِحَالٍ فَيُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ الْبَيِّنَةَ إلَخْ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالثَّالِثَةُ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْحَاضِرُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنَّ الْغَائِبَ عَفَا عَنْ نَصِيبِهِ فَانْقَلَبَ نَصِيبِي مَالًا وَأَنْكَرَ الْقَاتِلُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِهَا عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>