أَوْقَاتِهِ وَأَقْرَبُ أَوْقَاتِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتُضَافُ إلَيْهِ قُلْنَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَهَذَا الظَّاهِرُ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ، وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ أَيْضًا، وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمَقْصُودُهَا ذَلِكَ، وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَمُرَادُهُمْ الدَّفْعُ وَيَشْهَدُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ تَدَّعِي بِهِ الِاسْتِحْقَاقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَهُمْ يَدَّعُونَ بِهِ الدَّفْعَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَسَائِلُ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ النَّقْضِ مِنْهَا مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٍ فَقَالَ رَجُلٌ فَقَأْتَ عَيْنَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي فَقَأْته وَهُوَ فِي مِلْكِي كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فَيَأْخُذُ أَرْشَهُ مِنْهُ فَاسْتُحِقَّ بِالظَّاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ وَأَرْشُهُ لِغَيْرِهِ فَلِهَذَا اسْتَحَقَّهُ هُوَ لَا بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَحُكِّمَ الْحَالُ فَكَانَ جَارِيًا فِي الْحَالِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِهَذَا الظَّاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا يُسْتَحَقُّ بِالظَّاهِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مَوْجُودًا بِيَقِينٍ فَيُسْتَحَقُّ بِهِ فَهُنَا سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ، وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى السَّبَبُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْحَالِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ وَصَارَ فَارًّا فَتَرِثُ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَبَانَهَا فِي الصِّحَّةِ، فَلَا تَرِثُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَتَرِثُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا تَرِثُ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ الْمَانِعَ وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الصِّحَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الْمُودِعُ هَذَا ابْنُ مُودِعِي لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ دُفِعَ الْمَالُ إلَيْهِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ حَيٌّ أَصَالَةً بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُودِعِ بِالْقَبْضِ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُودَعِ فِي الْعَيْنِ بِإِزَالَتِهَا عَنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ الْمَدِينِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ الطَّالِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِخَالِصِ حَقِّهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَدِيعَةِ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْمُودَعِ وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بِالدَّفْعِ مُتَعَدِّيًا وَلِهَذَا يَضْمَنُ إذَا جَاءَ الْمُودَعُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ، وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى ضَاعَتْ عِنْدَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قِيلَ لَا يَضْمَنُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّهُ فِي زَعْمِهِ وَكِيلٌ وَالْمَنْعُ مِنْ وَكِيلِهِ كَالْمَنْعِ مِنْهُ، وَاخْتُلِفَ فِي اللُّقَطَةِ إذَا أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهَا لِفُلَانٍ هَلْ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَصَدَّقَهُ مُودِعُ الْمَيِّتِ أَوْ غَاصِبُهُ أَوْ وَصِيُّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ قَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ قُلْنَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ) أَيْ سَبَبُ حِرْمَانِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ إسْلَامُهَا مِنْ مِيرَاثِ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ وَتُحَكَّمُ الْحَالُ عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلٍ آخَرَ وَاجِبٍ، وَالْحَالُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ، وَهَذَا الظَّاهِرُ) هُوَ اسْتِصْحَابٌ أَعْنِي اسْتِصْحَابَ الْمَاضِي لِلْحَالِ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ وَمَا ذَكَرَهُ اسْتِصْحَابٌ عَكْسُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ يَكُونُ مِنْ الْمَاضِي لِلْحَالِ وَمِنْ الْحَالِ إلَى الْمَاضِي، وَلَكِنَّهُ اعْتَبَرَهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلَيْسَ حُكْمُ الِاسْتِصْحَابِ كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِجَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَ مَالِكُهَا مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا طَالَبَهُ بِمُدَّةٍ فَقَالَ كَانَ الْمَاءُ مُنْقَطِعًا حُكْمُ جَرَيَانِهِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا فِي الْحَالِ فَيُعْطَفُ عَلَى الْمَاضِي لِرَفْعِ أُجْرَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمَاضِي فَكَذَا هَذَا وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِصْحَابِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالظَّاهِرِ، فَإِنْ مَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ ظَاهِرًا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ قَدْ تُثْبِتُ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ اخْتَلَفَا فِي وُجُوبِ الْأَجْرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَقُولُ الْمَاءُ مُنْقَطِعٌ، فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَقَالَ الْآجِرُ جَارٍ فَيَجِبُ الْأَجْرُ فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي الْحَالِ جَارِيًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْآجِرِ، وَلَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَهَذَا حُكْمٌ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي حَقِّ مَا مَضَى بِخِلَافِ الْمَفْقُودِ فَإِنَّ هُنَاكَ حُكْمًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ الْمَاضِي فِي حَقِّ الْحَالِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالِاسْتِصْحَابِ تَارَةً يَكُونُ فِي الْحَالِ لِلْمَاضِي وَتَارَةً مِنْ الْمَاضِي إلَى الْحَالِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَمُرَادُهُمْ الدَّفْعُ) أَيْ وَالِاسْتِصْحَابُ يَكْفِي لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ مَا فِي الْمَاضِي مِنْ كُفْرِهَا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمَسْأَلَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ اُعْتُبِرَ فِيهِمَا لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيَامِ حَقِّ الْمُودَعِ وَمِلْكِهِ فِي الْوَدِيعَةِ الْآنَ إذْ هُوَ حَيٌّ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمِلْكِهِ لِمَا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ لِلْحَالِ وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُودَعِ لَكِنْ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَعْنِي الْمَالِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) وَالْمِثْلُ مِلْكُ الْمُقِرِّ. اهـ. كَمَالٌ وَقَوْلُهُ بِأَمْثَالِهَا أَيْ لَا بِأَعْيَانِهَا فَكَانَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَصَحَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَدِيعَةِ) يَعْنِي لَوْ دَفَعَ إلَى الَّذِي اعْتَرَفَ لَهُ بِالْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى ضَاعَتْ) قِيلَ يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ وَكِيلِ الْمُودِعِ فِي زَعْمِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَنَعَهَا مِنْ نَفْسِ الْمُودِعِ وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ. اهـ. كَمَالٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute