وَالدُّخْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَبْدَى ضَبْعَيْهِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبِطَيْهِ» أَيْ بَيَاضُهُمَا وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ ازْدِحَامٌ لَا يُجَافِي حَتَّى لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ازْدِحَامٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَافَى بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى إنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجَّهَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضَهُمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَبَّحَ فِيهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ فَقَالَ إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى بَعْضٍ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ»، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشْرِ خِصَالٍ: تَرْفَعُ يَدَيْهَا إلَى مَنْكِبَيْهَا، وَتَضَعُ يَمِينَهَا عَلَى شِمَالِهَا تَحْتَ ثَدْيِهَا، وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا، وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى فَخِذَيْهَا تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا، وَلَا تَفْتَحُ إبْطَيْهَا فِي السُّجُودِ، وَتَجْلِسُ مُتَوَرِّكَةً فِي التَّشَهُّدِ، وَلَا تُفَرِّجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ، وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ وَيَقُومُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا) أَيْ مِنْ السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَلَسَ مُطْمَئِنًّا) يَعْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رُكُوعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ»، ثُمَّ الْجِلْسَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا وَالْقَوْمَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى قَوْلِهِمَا، فَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ سُنَّةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَخِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَكَذَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمَا وَرَدَ فِيهِمَا مِنْ الدُّعَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ، قَالَ يَعْقُوبُ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي قَالَ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَيَسْكُتُ وَكَذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ يَسْكُتُ فَقَدْ أَحْسَنَ الْجَوَابَ حَيْثُ لَمْ يُنْهَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ صَرِيحًا مِنْ قُوَّةِ احْتِرَازِهِ، وَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ بِإِيثَارِ التَّحْمِيدِ فِيهِ وَالسُّكُوتِ بَعْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاعِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ بِحَيْثُ لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ قَدْ رَفَعَ يَجُوزُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا يُسَمَّى بِهِ رَافِعًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى لَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَيِّتٍ عَلَيْهِ لِبْدٌ إنْ لَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إنْ كَانَ مَغْسُولًا جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إزَارٌ. اهـ. قَوْلُهُ: كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ إلَى آخِرِهِ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى نَقْلًا عَنْ النَّظْمِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ وُجُودِ حَجْمِ الْأَرْضِ حَالَ السُّجُودِ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْعَجَلَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْفَرِيضَةِ لَا النَّافِلَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ مَا يُفْصِحُ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: ضَبْعَيْهِ) وَالضَّبُعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْعَضُدُ وَبِضَمِّهَا الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ الْمَعْرُوفُ وَالسَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ وَفِي الْمُحِيطِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْته قَالَ فِي الْمَنَافِع الضَّبُعُ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ) أَيْ ابْنُ بُحَيْنَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: «إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ» إلَى آخِرِهِ) فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «إذَا سَجَدَ جَخَّ» بِجِيمٍ، ثُمَّ خَاءٍ مَشْدُودَةٍ وَيُرْوَى جَخَّى بِالْيَاءِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَيْ فَتَحَ عَضُدَيْهِ وَجَافَاهُمَا مِنْ جَنْبَيْهِ وَرَفَعَ بَطْنَهُ عَنْ الْأَرْضِ. اهـ. نِهَايَةُ ابْنِ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ: حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ الْأُنْثَى مِنْ صِغَارِ الْغَنَمِ بَعْدَ السَّخْلَةِ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا يَضَعُهُ أُمُّهُ، ثُمَّ يَصِيرُ بَهْمَةً. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْبَهِيمَةُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: «حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ») رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَا فِيهِ بُهَيْمَةٌ وَعَلَى الْبَاءِ ضَمَّةٌ بِخَطِّ بَعْضِ الْحُفَّاظِ عَلَى تَصْغِيرِ بَهْمَةٍ قِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ سِبْطُ بْنِ الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ) أَيْ تَضُمُّ نَفْسَهَا اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: عَلَى فَخِذَيْهَا تَبْلُغُ) فِي نُسْخَةٍ بِحَيْثُ تَبْلُغُ (قَوْلُهُ: مِنْ السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ) أَيْ كَانَ لُبْثُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ قَرِيبًا مِنْ التَّسَاوِي إلَّا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ فَإِنَّ اللُّبْثَ فِيهِمَا لَا يَقْرُبُ اللُّبْثَ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ بَلْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً بَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ وَلَمَّا كَانَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالْقِيَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَرِيبَيْنِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَانَا مُشْتَمِلَيْنِ عَلَى الِاطْمِئْنَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ إلَى آخِرِهِ) فِيهِ شَيْءٌ تَقَدَّمَ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الرَّفْعَ مِنْ السُّجُودِ سُنَّةً. اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْجِلْسَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْقَوْمَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِيهَا سُنَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَلِيلًا، ثُمَّ سَجَدَ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا. اهـ. وَلَمْ يُحْكَ غَيْرُهُ. اهـ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute