قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ بَرِيَّةٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ اتَّفَقَ اللَّفْظَانِ فِي الْمَعْنَى لِعَدَمِ ثُبُوتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى شَرْطُ الْقَبُولِ بِخِلَافِ الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ اتِّفَاقُهُمَا فِي اللَّفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَتْلِ، وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ وَبِخِلَافِ الْأَلْفِ، وَالْخَمْسِمِائَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَنَظِيرُهُ الطَّلْقَةُ، وَالطَّلْقَةُ وَنِصْفٌ، وَالْمِائَةُ، وَالْمِائَةُ، وَالْخَمْسُونَ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ كَالْأَلْفَيْنِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي الْأَكْثَرَ فَشَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي بِالزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ فَيَقُولَ أَصْلُ حَقِّي كَانَ كَمَا قَالَ إلَّا أَنِّي اسْتَوْفَيْت الزَّائِدَ أَوْ أَبْرَأْته عَنْهُ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ فِي الْأَقَلِّ لِظُهُورِ التَّوْفِيقِ وَفِي النِّهَايَةِ إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ، وَالْآخَرُ عَلَى الْعَطِيَّةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ وَهُوَ مَا صَارَ اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَيْهِ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُوَافَقَةُ فِي ذَلِكَ لَا تَضُرُّ الْمُخَالَفَةُ فِيمَا سِوَاهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ، وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِاتِّفَاقُ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا فِي الْمَعْنَى لَا غَيْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا بِتَطْلِيقَةٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ ضَمَانُ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى شَاهِدَيْ الثَّلَاثِ دُونَ شَاهِدَيْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَا إنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ لَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِ الثَّلَاثِ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يُوقِعَ أَيَّ عَدَدٍ شَاءَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُنَفَّذُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ قُبِلَتْ عَلَى الْأَلْفِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِأَلْفٍ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَ وَخَمْسَمِائَةٍ لِاتِّفَاقِهِمَا بِالْأَلْفِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَدَّعِي الْأَلْفَ فَقَطْ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ مَنْ شَهِدَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْعَقْدَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَلَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَرِيَّةٌ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي لَفْظَةِ الْإِيقَاعِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: بَرِيَّةٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَرَاءَةِ الْفَرَاغُ عَقِيبَ الشُّغْلِ، وَمَعْنَى الْخُلُوِّ الْفَرَاغُ الْمُطْلَقُ، فَإِذَا اخْتَلَفَا لَفْظًا وَمَعْنًى لَا يَثْبُتُ الْمَشْهُودُ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْحُرْمَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ اتَّفَقَ اللَّفْظَانِ فِي الْمَعْنَى) أَيْ وَهُوَ إثْبَاتُ الْحُرْمَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الِاتِّفَاقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَوَجْهُ الِاتِّفَاقِ هُوَ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ: أَدَّعِي كَذَا وَالشَّاهِدُ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِكَذَا وَلَا اتِّفَاقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْرِفْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَالشَّهَادَةُ لَمْ تَبْطُلُ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ بَطَلَتْ قَالَ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي الْفُصُولِ وَذَكَرَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الشَّهَادَاتِ مِنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَيْ الشَّاهِدَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُطَابِقَةً لِلْأُخْرَى فِي اللَّفْظِ وَإِلَّا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى أَمَّا الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي الْمَعْنَى خَاصَّةً وَلَا عِبْرَةَ لِلَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ) أَيْ وَمَا لَمْ يُوَفِّقْ صَرِيحًا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ وَلَا يَكْفِي احْتِمَالُ التَّوْفِيقِ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا كَانَ إلَّا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْفِيقَ فَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ) عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ اهـ
(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ الَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (قَوْلُهُ: لَوْ شَهِدَا بِتَطْلِيقَةٍ) يَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ)؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ فَقَدْ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهَا فِيهَا وَالْمَالِكُ يُوجِدُ مِنْ مَمْلُوكِهِ مَا شَاءَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ قُبِلَتْ عَلَى الْأَلْفِ) بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَعِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِالشَّهَادَةِ بِجُمْلَةٍ أُخْرَى مَنْصُوصٌ عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهَا لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَلْفِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ وَهُوَ يَدَّعِيهِمَا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدُ) فِي قَوْلِهِ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانٍ إلَخْ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute