للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إثْبَاتُ السَّبَبِ، وَالنِّكَاحُ بِأَلْفٍ غَيْرُ النِّكَاحِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِيَ أَوْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ بِإِقْرَارِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، وَالْخُلْعِ، وَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ يَكُونُ دَعْوَى الدَّيْنِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ، وَالْمَوْلَى، وَالْوَلِيَّ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ فَيَبْقَى دَعْوَى الْمَالِ الْمُجَرَّدِ عَنْ السَّبَبِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي النِّكَاحِ كَمَا تَصِحُّ عِنْدَ الْعَقْدِ تَصِحُّ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ سَمَّى لَهَا مَهْرًا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى قِيَامِهِ وَقِيَامُهُ تَارَةً يَكُونُ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ وَتَارَةً يَكُونُ حَالَةَ الْبَقَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ اخْتِلَافِ التَّسْمِيَتَيْنِ اخْتِلَافُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وُجِدَتْ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْعَقْدِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ.

وَالْبَيِّنَةُ عَلَى التَّسْمِيَةِ فِي حَالٍ يَسْتَحِيلُ الْعَقْدُ لَا تَكُونُ بَيِّنَةً عَلَى الْعَقْدِ بَلْ عَلَى التَّسْمِيَةِ الْمُجَرَّدَةِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَتِهِمَا الْمَالَ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ فَحَاصِلُ الْقَضِيَّةِ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَمْ تَقُمْ إلَّا عَلَى الْمَالِ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ بِهَا التَّسْمِيَةُ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ لَا غَيْرُ وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ، وَالِازْدِوَاجُ، وَالْمِلْكُ وَمِنْ حُكْمِ التَّبَعِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ الْأَصْلَ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِنَفْيِهِ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهِ فَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ سَالِمًا عَنْ الِاخْتِلَافِ فَلَزِمَ وَمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَهُوَ الْمَالُ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا كَمَا فِي الدَّيْنِ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ يَجْعَلُ أَبُو حَنِيفَةَ مَقْصُودَهَا الْمَالَ فَيُخْرِجُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُمَا يَجْعَلَانِ مَقْصُودَهَا الْعَقْدَ لِمَا بَيَّنَّا لَهُمَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ فَمَقْصُودُهُ الْعَقْدُ لَا الْمَالُ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْعَقْدِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَيَسْتَوِي فِيهِ دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ وَأَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ، وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ لَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الْأَقَلِّ تَكْذِيبًا لِلشَّاهِدِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَقَلَّ هُوَ الْمُسَمَّى ثُمَّ صَارَ أَكْثَرَ بِالزِّيَادَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِلْكُ الْمُوَرِّثِ لَمْ يَقْضِ لِوَارِثِهِ بِلَا جَرٍّ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ بِأَنْ ادَّعَى الْوَارِثُ عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا مِيرَاثُ أَبِيهِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ لِأَبِيهِ لَا يُقْضَى لَهُ حَتَّى يَجُرَّ الْمِيرَاثَ فَيَقُولَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ أَوْ يَقُولَا كَانَتْ لِأَبِيهِ يَوْمَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَرَّ شَرْطٌ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلَكِنْ إذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ أَوْ يَدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَانَ جَرًّا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مِلْكَهُ أَوْ أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَارِثِ فَيَثْبُتُ الِانْتِقَالُ ضَرُورَةً فَيَكُونُ إثْبَاتًا لِلِانْتِقَالِ وَكَذَا إذَا أَثْبَتَ يَدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ إنْ كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِي الْأَمَانَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ، وَالْمَضْمُونُ يَمْلِكُهُ الضَّامِنُ عَلَى مَا عُرِفَ فَيَكُونُ إثْبَاتُ الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إثْبَاتًا لِلْمِلْكِ، وَإِثْبَاتُ يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْمُودِعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالْغَاصِبِ وَغَيْرِهِمْ إثْبَاتٌ لِيَدِهِ فَيُغْنِي إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَقْتَ الْمَوْتِ عَنْ ذِكْرِ الْجَرِّ فَاكْتَفَى بِهِ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَرُّ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ إذَا أَثْبَتَ الْوَارِثُ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لِلْمُوَرِّثِ يَكْفِي؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ قَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ الشُّهُودِ كَانَتْ لَهُ وَمِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافُهُ عَنْهُ وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ فَيَكُونُ مِلْكُ الْوَارِثِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ) أَيْ لَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَيَمْلِكُ النِّكَاحَ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ، وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعَ فَيَقْضِي بِذَلِكَ وَلَا يَنْظُرُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي النَّفْعِ وَهُوَ الْمَالُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَهُوَ الْمَالُ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ الْقَضَاءُ بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ، فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ بِالْأَقَلِّ بِلَا تَفْصِيلٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الدَّيْنِ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ ثَمَّةَ أَصْلٌ كَالْمَبِيعِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بِدُونِ ذِكْرِ الثَّمَنِ فَكَانَ ذَلِكَ دَعْوَى الْعَقْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ فَمَقْصُودُهُ الْعَقْدُ) إذْ الزَّوْجُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهَا مَالًا. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمِلْكُ الْمُوَرِّثِ إلَخْ) تَرْجَمَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِفَصْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا ذَكَرَ الشَّهَادَةَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي الشَّهَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَالِ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَتْلُو الْحَيَاةَ فَنَاسَبَ وَضْعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ عَقِيبَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَمْ يَقْضِ لِوَارِثِهِ بِلَا جَرٍّ) أَيْ مِنْ الشُّهُودِ بِأَنْ يَجُرَّا الْمِيرَاثَ فَيَقُولَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فَتَعَيَّنَ الْبِرُّ لِلِادِّخَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ مَخْرُومٍ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ) كَذَا هُنَا وَاَلَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُودِعِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَثْبَتَ يَدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ)؛ لِأَنَّ الْيَدَ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ إلَى يَدِ غَصْبٍ وَأَمَانَةٍ وَمِلْكٍ، فَإِنَّهَا عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ تَصِيرُ يَدَ مِلْكٍ لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا يَصِيرُ الْمَغْصُوبُ الْوَدِيعَةُ مِلْكَهُ لِصَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ شَرْعًا وَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ مَالِكِ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا) أَيْ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>