للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّهَادَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَجَبَتْ عَلَى شَاهِدِ الْأَصْلِ وَلَيْسَتْ بِحَقٍّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخُصُومَةُ فِيهَا، وَالْإِجْبَارُ عَلَيْهَا، وَالنِّيَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةُ احْتِمَالٍ؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِيهَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْأُصُولِ وَفِي الْفُرُوعِ وَفِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ وَلِهَذَا لَا يُصَارُ إلَى الْفُرُوعِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأُصُولِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهَا إذْ شَاهِدُ الْأَصْلِ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَعَلَى شَهَادَةِ فُرُوعِ الْفُرُوعِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَصَارَ كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي

قَوْلُهُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِيهَا شُبْهَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَثْبُتَانِ بِهَا كَمَا لَا يَثْبُتَانِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ جَمِيعُ الْحُقُوقِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْوَقْفِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجُوزُ فِيهِ إحْيَاءً لَهُ

وَصَوْنًا

عَنْ انْدِرَاسِهِ وَقَوْلُهُ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَعْنِي إنْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ رَجُلَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ قَضِيَّةٌ مِنْ الْقَضَايَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ النِّصَابِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِيَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَغَايُرُ الْفُرُوعِ حَتَّى لَوْ أَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَهَادَتِهِ رَجُلَيْنِ وَأَشْهَدَهُمَا الْآخَرُ بِعَيْنِهِمَا جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلَانِ غَيْرُ اللَّذَيْنِ أَشْهَدَهُمَا صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ أَصْلٍ وَاحِدٍ فَلَا يَتِمُّ حُجَّةٌ لِلْقَضَاءِ بِهِمَا كَالْمَرْأَتَيْنِ لَمَّا قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ لَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلِأَنَّ الْفَرْعَ لَمَّا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ صَارَ شَاهِدًا أَوَ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى تِلْكَ الشَّهَادَةِ غَيْرَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ لَمَّا كَانَ شَاهِدًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْهِدَهُ صَاحِبُهُ عَلَى شَهَادَتِهِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ.

وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى شَهَادَةِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ مُعَبِّرٌ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ رَسُولِهِ فِي إيصَالِ شَهَادَتِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَأَنَّهُ حَضَرَ وَشَهِدَ بِنَفْسِهِ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِرِوَايَةِ الْإِخْبَارِ، فَإِنَّ رِوَايَةَ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ مَقْبُولَةٌ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ كُلِّ أَصْلٍ فَرْعَانِ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ حَقٌّ مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ، وَالْحَقُّ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلْقَاضِي الْقَضَاءَ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّصَابِ، فَإِذَا تَمَّ وَشَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى الْآخَرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى قَضِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ امْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ لَمْ يَتِمَّ بِهِمَا وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْأَصْلِ يَعْلَمُ الْحَادِثَةَ يَقِينًا فَلَا يَسْتَفِيدُ بِإِشْهَادِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ شَيْئًا وَلِأَنَّ مَعْنَى الْأَصَالَةِ يَقْتَضِي مُشَاهَدَةَ الْحَقِّ وَمَعْنَى الْفَرْعِيَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمُشَاهَدَةِ فَيَتَنَافَيَانِ فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ الْفَرْعَ بَدَلٌ عَنْ الْأَصْلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ بَدَلًا وَأَصْلًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِأَنَّ شَاهِدَ الْأَصْلِ يُثْبِتُ نِصْفَ الْحَقِّ، وَالْفَرْعَانِ نِصْفَهُ.

وَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى شَهَادَةِ صَاحِبِهِ لَأَثْبَتَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْحَقِّ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَالسَّرِقَةُ وَالْقِصَاصُ وَالْقَذْفُ وَحَدُّ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْأَجْنَاسِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي نَوَادِرِ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ يَجُوزُ فِي التَّعْزِيرِ الْعَفْوُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَجَبَتْ عَلَى شَاهِدِ الْأَصْلِ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ احْتِمَالٍ) يَعْنِي تُهْمَةَ الْكَذِبِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْفُرُوعِ تُهْمَةٌ زَائِدَةٌ وَهِيَ تُهْمَةُ عَدَمِ السَّمَاعِ مِنْ الْأُصُولِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ)؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) وَبِقَوْلِنَا هَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَصَحُّ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ عُدُولٌ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ لَا بِشَهَادَتِهِمْ وَصَارُوا كَالْمُتَرْجِمِ وَسَيَنْدَفِعُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ) أَيْ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تُقْبَلُ إلَخْ جَمِيعُ الْحُقُوقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) فِي هَذَا النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ كُلِّهَا وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ جَمِيعًا عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا جَائِزَةٌ وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ الْأَرْبَعَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ التَّفْرِيعِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَوَّزَ شَهَادَةَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَلَمْ يَنْفِ شَهَادَتَهُمَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ آخَرَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ كُلِّ أَصْلٍ فَرْعَانِ عَلَى حِدَةٍ فَدَلَّ إطْلَاقُهُ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ جَمِيعًا عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلَيْنِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ خِلَافُهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>