للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ إنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَقَدْ أَوْفَى حَقَّهَا شَرْعًا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَهَذِهِ الْخِصَالُ تَمْنَعُ الزِّنَا فَلَا تَكُونُ مُوجِبَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مَذْمُومٌ وَهَذِهِ الْخِصَالُ مَحْمُودَةٌ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا سَبَبًا لِلْآخَرِ فَلَمَّا لَمْ يُوجِبْ الزِّنَا لَا يُوجِبُ الرَّجْمَ أَيْضًا بَلْ هُوَ مُوجِبٌ الزِّنَا عِنْدَ وُجُودِ الْإِحْصَانِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشُهُودُ الْيَمِينِ) أَيْ يَضْمَنُ شُهُودُ الْيَمِينِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَشْهَدَا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ أَوْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَنْهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا قِيمَةُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ الْعِلَّةِ إذْ التَّلَفُ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ أَوْ التَّطْلِيقُ وَهُمْ الَّذِينَ أَثْبَتُوا ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَالشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ مَانِعًا، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ أُضِيفَ التَّلَفُ إلَى تِلْكَ الْكَلِمَةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ دُونَ زَوَالِ الْمَانِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا شُهُودُ الْإِحْصَانِ، وَالشَّرْطِ) أَيْ لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْإِحْصَانِ وَلَا شُهُودُ الشَّرْطِ وَفِيهِمَا خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا شُهُودُ الْإِحْصَانِ فَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَصَارَ كَحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ، وَالشَّرْطُ إذَا سَلِمَ عَنْ مُعَارَضَةِ الْعِلَّةِ صَلُحَ عِلَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَضْمَنُ عِنْدَ عُدْمِ مَنْ يُلْقِي، وَالْحَفْرُ شَرْطُ الْوُقُوعِ فَيُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ قُلْنَا: إنَّ الْإِحْصَانَ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْطِ أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ بِصُورَتِهَا وَتَتَوَقَّفُ صَيْرُورَتُهَا عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ كَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ قَدْ وُجِدَتْ بِصُورَتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَتَوَقَّفَتْ صَيْرُورَتُهَا عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُنَا لَوْ زَنَى ثُمَّ أَحْصَنَ لَا يُرْجَمُ وَلَكِنْ إذَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ عَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَهُ الرَّجْمُ وَهَذَا مَعْنَى الْعَلَامَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ الرَّجْمِ وَلَا وُجُودُهُ إذْ الْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى الْعَلَامَةِ الْمُظْهِرَةِ، وَأَمَّا شُهُودُ الشَّرْطِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرْجِعُوا وَحْدَهُمْ أَوْ مَعَ شُهُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ التَّعْلِيقُ، فَإِنْ رَجَعُوا مَعَ شُهُودِ الْيَمِينِ لَا يَضْمَنُونَ وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا قُلْنَا شُهُودُ الْيَمِينِ أَثْبَتُوا بِشَهَادَتِهِمْ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلْحُكْمِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالْآخَرُونَ أَثْبَتُوا الشَّرْطَ، وَالشَّرْطُ لَا يُعَارِضُ الْعِلَّةَ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى عِلَّتِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ وَإِلَى الشَّرْطِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ يَضْمَنُونَ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ تُعَارِضْهُ الْعِلَّةُ صَلُحَ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَصَارَ عِلَّةً؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ لَمْ تُجْعَلْ عِلَّةً لِذَوَاتِهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَشُهُودُ الْيَمِينِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ صُورَتُهُ شَهِدَا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ أَوْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ أَوْ الطَّلَاقُ وُجِدَ وَقَدْ نَزَلَ الْمُعَلَّقُ فَحَكَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ هِيَ السَّبَبُ وَالتَّلَفُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى مَنْ أَثْبَتَ السَّبَبَ دُونَ الشَّرْطِ الْمَحْضِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قُبَيْلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَغَيْرِ السُّنَّةِ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَقَضَى الْقَاضِي بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شَاهِدَا الْيَمِينِ دُونَ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَلِفَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قَضَى بِعِتْقِهِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ بِقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ لَا بِدُخُولِ الدَّارِ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى مَا أَثْبَتَهُ شَاهِدُ الْيَمِينِ دُونَ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا وَقَضَى الْقَاضِي بِجَمِيعِ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعُوا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الدُّخُولِ.

وَإِنْ كَانَ وُجُوبُ الْمَهْرِ مُضَافًا إلَى التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ شُهُودَ الدُّخُولِ أَثْبَتُوا أَنَّ الزَّوْجَ اسْتَوْفَى عِوَضَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ فَخَرَجَتْ شَهَادَةُ شُهُودِ النِّكَاحِ مِنْ أَنْ تَكُونَ إتْلَافًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ لَوْ رَجَعَا عَلَى الِانْفِرَادِ هَلْ يَضْمَنَانِ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى مُحَصِّلِ الشَّرْطِ عِنْدَ انْعِدَامِ إمْكَانِ الْإِيجَابِ عَلَى صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَاجِبٌ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُونَ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا وَحْدَهُمْ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي التَّلَفِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَهُ أَثَرٌ فِي وُجُوبِ الْعِلَّةِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ سَبَبُ الضَّمَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ فِي تَقْسِيمِ الشَّرْطِ قُلْنَا فِي شُهُودِ التَّعْلِيقِ وَشُهُودِ الشَّرْطِ إذَا رَجَعُوا الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ التَّعْلِيقِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا قَوْلَ الْمَوْلَى أَنْتَ حُرٌّ وَهَذَا بِانْفِرَادِهِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِإِضَافَةِ حُكْمِ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ هُنَاكَ شَبَهَ الْعِلَّةِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ شَيْئًا سَوَاءٌ رَجَعَ الْفَرِيقَانِ أَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ شُهُودُ التَّخْيِيرِ وَشُهُودُ الِاخْتِيَارِ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى شُهُودِ الِاخْتِيَارِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ سَبَبٌ وَمَا عَارَضَهُ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِلْحُكْمِ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ السَّبَبِ فَلَمْ يَضْمَنْ شُهُودُ السَّبَبِ شَيْئًا كَمَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا شُهُودُ الْإِحْصَانِ) صُورَتُهُ كَمَا قَالَ الْعَيْنِيُّ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَيَشْهَدَ آخَرَانِ أَنَّهُ مُحْصَنٌ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ صُورَتُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي شُهُودِ الْيَمِينِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>