للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَالتَّقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ) وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشَّيْءِ وَكِيلٌ بِإِتْمَامِهِ، وَإِتْمَامُهُمَا يَكُونُ بِالْقَبْضِ وَمَا لَمْ يَقْبِضْ فَالْخُصُومَةُ قَائِمَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ إنْكَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْمَطْلُ وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُرَافَعَةِ ثَانِيًا فَيَكُونُ لَهُ الْقَبْضُ قَطْعًا لِمَادَّتِهَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُصُومَةِ الِاسْتِيفَاءُ إذْ هِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا وَالْوَكِيلُ بِالشَّيْءِ يَمْلِكُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَمَعْنَى التَّقَاضِي الطَّلَبُ فِي الْعُرْفِ فَصَارَ بِمَعْنَى الْخُصُومَةِ وَهُوَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ تَفَاعُلٌ مِنْ قَضَى يُقَالُ قَضَى دَيْنَهُ وَاقْتَضَيْت مِنْهُ دَيْنِي أَيْ أَخَذْت وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ فَكَانَ أَوْلَى إذْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةٌ فَصَارَ بِمَعْنَى الْخُصُومَةِ مَجَازًا فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهَا تَوْكِيلًا بِهَا تَوْكِيلًا بِإِتْمَامِهَا إذْ الْمُطَالَبَةُ لَا تَنْتَهِي إلَّا بِالْقَبْضِ وَلِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُصُومَةَ غَيْرُ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَهِيَ لِإِظْهَارِ الْحَقِّ وَيَخْتَارُ فِي التَّوْكِيلِ بِهَا مَنْ هُوَ أَلَدُّ النَّاسِ خُصُومَةً وَأَكْثَرُهُمْ كَذِبًا وَخِيَانَةً وَأَقَلُّهُمْ دِينًا وَحَيَاءً وَيَخْتَارُ فِي الْقَبْضِ مَنْ هُوَ أَوْفَى النَّاسِ أَمَانَةً وَأَكْثَرُهُمْ وَرَعًا فَمَنْ يَصْلُحُ لِلْخُصُومَةِ عَادَةً لَمْ يَرْضَ بِقَبْضِهِ فَالتَّوْكِيلُ بِخُصُومَتِهِ لَا يَدُلُّنَا عَلَى الرِّضَا بِقَبْضِهِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَكْسِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْقَبْضُ وَكَذَا الْمُطَالَبَةُ غَيْرُ الْقَبْضِ فَالْوَكِيلُ بِهَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِيَانَاتِ فِي الْوُكَلَاءِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ فِيهِمَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْبَضُ الدَّيْنُ بِمِلْكِ الْخُصُومَةِ) أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ وَكَذَا إذَا جَحَدَ الْغَرِيمُ فَأَقَامَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَكُونُ خَصْمًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِهِ رِضًا بِهَا إذْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي إلَيْهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا فَلَوْ بِرَهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ) أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ الْعَيْنَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ إلَّا فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْ الْعَيْنِ فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَكَذَا لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهَا أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِ أَنَّ الْمَوْلَى قَدْ أَعْتَقَهُ لَا تُقْبَلُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ يَمْلِكُ قَبْضَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ الْوَكِيلُ بِتَقَاضِي الدَّيْنَ لَهُ الْقَبْضُ اتِّفَاقًا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِعَلَامَةِ النُّونِ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي أَوْ بِالْخُصُومَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ الْخِيَانَةَ ظَهَرَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ خُصُوصًا فِي الْوُكَلَاءِ عَلَى بَابِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ) لِأَنَّ وَضْعَ الْأَلْفَاظِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ بَلْ يَفْهَمُونَ الْمَجَازَ فَصَارَ الْمَجَازُ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِزُفَرَ أَنَّ الْخُصُومَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِ زُفَرُ أَنَّهُ رَضِيَ بِهِدَايَتِهِ فِي الْخُصُومَةِ لَا بِأَمَانَتِهِ فِي الْقَبْضِ إذْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فِي الْأَصْلِ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ كُلِّ دَيْنٍ لَهُ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ دَيْنٌ فَلَهُ قَبْضُهُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ غَلَّةِ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ وَفِي سَرِقَةِ الْجَامِعِ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ صَحَّ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ فَقَبَضَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ اهـ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ، فَإِنْ أَقَامَ الْمَطْلُوبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَى الْمُوَكِّلَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ وَقَالَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنَّ الْخُصُومَةَ تَسْقُطُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْعَيْنَ لَا يَكُونُ خَصْمًا إجْمَاعًا وَنَقَلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ إجْمَاعًا إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ الْقَاضِي كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ دُيُونِ الْغَائِبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ لَهُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ عَبْدٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ مِنْ الَّذِي الْعَبْدُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ غَابَ الْمُوَكِّلُ فَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ بَاعَهُ إيَّاهُ فَقَالَ أَقِفْهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ فَأَقَامَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ يَحْضُرُ الْغَائِبُ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ فَأَقَامَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ أَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِعْتَاقِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْوَكِيلُ خَصْمًا وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا لِقِصَرِ الْيَدِ اسْتِحْسَانًا وَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُوقَفَ الْأَمْرُ بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ بَطَلَتْ لِقِيَامِهَا عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي قَصْرِ الْيَدِ خَاصَّةً أَنَّ الْوَكِيلَ فِي نَفْسِ الْقَبْضِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَجُعِلَ خَصْمًا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْقَبْضِ احْتِيَاطًا، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ تُعَادُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ وَالْقِيَاسَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَأَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ سُؤَالًا

<<  <  ج: ص:  >  >>